الاثنين، 7 مايو 2018

الإسلام والمسلمون

– الإسلام والمسلمون

نعود إلى التنزيل الحكيم، ونحن متفقون على أنه صادق خال من الحشو، لنقرأ فيه:

{إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات …} الأحزاب 35،
{عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات …} التحريم 5،
{قالت الأعراب آمناً قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم …} الحجرات 14،
ونفهم من الآيات أمرين، الأول أن المسلمين والمسلمات شيء والمؤمنين والمؤمنات شيء آخر، والثاني أن الإسلام يتقدم دائماً على الإيمان ويسبقه،

ونقرأ قوله تعالى:

الجن – {وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشداً} الجن 14،
إبراهيم – {ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلما …} آل عمران 67،
يعقوب – {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} البقرة 132،
يوسف – {رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث، فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة، توفني مسلماً وألحقني بالصالحين} يوسف 101،
سحرة فرعون – {وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا، ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين} الأعراف 126،
فرعون – {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا، حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين} يونس 90،
الحواريون – {فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون) آل عمران 52،
نوح – {فإن توليتم فما سألتكم من أجر، إن أجري إلا على الله، وأمرت أن أكون من المسلمين * فكذبوه فنجيناه ومن، معه في الفلك …} يونس 72، 73،
لوط – {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) الذاريات 35، 36،
ونفهم من الآيات في تسلسلها أعلاه، أن الجن وإبراهيم ويعقوب والأسباط ويوسف وسحرة فرعون والحواريون ونوحاً ولوطاً، كانوا من المسلمين، وأن فرعون حين أدركه الغرق نادى بأنه منهم، وهؤلاء جميعاً لم يكونوا من أتباع محمد (ص)، فالحواريون من أتباع عيسى (ع) وسحرة فرعون من أبتاع موسى (ع)، ونفهم من هذا كله أن الإسلام شيء والإيمان شيء آخر، وأن الإسلام متقدم على الإيمان سابق له، وأن المسلمين ليسوا أتباع محمد (ص) حصراً، ونصل أخيراً إلى السؤال الكبير: إن كانت الشهادة برسالة محمد (ص)، والشعائر من أركان الإسلام، فكيف يصح إسلام فرعون وهو لم يلتق إلا بموسى (ع)، وإسلام الحواريين وهم لم يعرفوا سوى المسيح عيسى بن مريم، وإسلام غيرهم ممن أثبت التنزيل الحكيم إسلامهم فيما ذكرنا من آيات، وهم جميعاً لم يسمعوا بالرسول الأعظم، ولم يصوموا رمضان، ولم يحجوا البيت؟

لقد أقامت كتب الأصول والأدبيات الإسلامية أركاناً للإسلام من عندها، حصرتها في خمس، هي التوحيد والتصديق برسالة محمد (ص) والشعائر، مستبعدة العمل الصالح والإحسان والأخلاق من هذه الأركان، فالتقت، دون أن تقصد، بالعلمانيين والماركسيين من أصحاب مشاريع الحداثة والتجديد، كما أسلفنا، ووقعت دون أن تقصد أيضاً، فيما وقع فيه اليهود والنصارى!!

يقول تعالى في محكم تنزيله:

{وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى، تلك أمانيهم، قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين * بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} البقرة، 111، 112، فاليهود يحصرون الجنة باليهود، وما عداهم في النار، والنصارى يحصرون الجنة بالنصارى وما عداهم في النار، والتنزيل يعتبر ذلك كله أوهاماً منهم لا برهان عليها، ويصحح لهم أوهامهم بصراحة لا لبس فيها، قائلاً أن الجنة يدخلها كل من {أسلم وجهه لله وهو محسن}، وتأتي أركان الإسلام الموضوعة لتقول: لا يقوم إٍلام إلا على التصديق برسالة محمد (ص)، وعلى الصلاة والزكاة والصيام والحج، وهذا هو الإسلام الذي لا يقبل الله، في زعمهم، غيره، ولا يدخل الجنة إلا أصحابه، ونسأل نحن: أليس هذا بالضبط ما قالته اليهود والنصارى، فتصدى لهم سبحانه في التنزيل؟
لقد تم اعتبار الصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيع من أركان الإسلام، فإذا ما فتحنا التنزيل الحكيم، وجدناه يكلف المؤمنين بهذه الشعائر، وليس المسلمين، واقرأ معي قوله تعالى:

{إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} النساء 103،
{وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله، إن الله بما تعملون بصير} البقرة 110،
{وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون} النور 56،
{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام} البقرة 183،
إلى قوله تعالى:

{فمن شهد منكم الشهر فليصمه} البقرة 185،
ونجد أنفسنا أمام سؤال كبير: لماذا تم استبعاد الجهاد، والقتال، والقصاص، والشورى، والوفاء بالعقود والعهود، والعديد العديد من الأوامر والتكاليف، من أركان الإسلام، مع أن حكمها واحد في الآيات كحكم الصلاة والزكاة والصيام والحج؟

ونقرأ قوله تعالى:

{والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً، لهم مغفرة ورزق كريم} الأنفال 74،
{إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون} الحجرات 15،
{كتب عليكم القتال وهو كره لكم .. والله يعلم وأنتم لا تعلمون} البقرة 216،
{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى …} البقرة 178،
{والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون} الشورى 38،
{يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود …} المائدة 1،
{وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا} الإٍسراء 34،
{ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده …} الإسراء 34،
{وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم …} الإسراء 35،
{ولا تقف ما ليس لك به علم …} الإسراء 36،
{ولا تمش في الأرض مرحاً …} الإسراء 37،
{يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها …} النور 27،
كما نجد أنفسنا، مع أركان الإسلام المزعومة التي تضم الشعائر فقط، أمام تحريف خطير لما ورد في التنزيل الحكيم، فالدين عند الله الإسلام، لا يقبل ديناً غيره .. ولكن الدين الإسلامي عند الله دين الفطرة الإنسانية التي فطر سبحانه الخلق عليها، بدليل قوله تعالى:

{فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} الروم 30، ولا بد أن تكون أركان هذا الإسلام، بدليل قوله تعالى، فطرية مقبولة، تتماشى بشكل طبيعي مع ميول الخلق، فهل الشعائر (إقامة الصلاة – الصوم – حج البيت – الزكاة) التي افترضوا أنها من أركان الإسلام، فطرية؟ تتجه إليها النفوس والأرواح والعقول مدفوعة بفطرة الخلق؟
لنأخذ الزكاة مثلاً، لنجدها ضد الفطرة الإنسانية تماماً!! فالزكاة إخراج للمال وإنفاق له، بينما جبل الله خلقه على كنز المال وحبه، كجزء من أجزاء غريزة حب البقاء، يقول تعالى:

{وتحبون المال حباً جماً} الفجر 20،
{ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه …} البقرة 177،
{اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد …} الحديد 20،
{إن الإنسان خلق هلوعا * إذ مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا} المعارج 19-20.
ولننظر إلى الصوم كمثل آخر، لنجده يتعارض مع الفطرة، ومع غريزة حب البقاء، تعارضاً عمودياً!! فالأصل في الفطرة أن يأكل المرء حين يجوع، ويشرب حين يعطش، ويطلق للسانه العنان سباً وشتماً حين يغضب، أما الصوم فهو تهذيب لهذه الوجوه الوحشية البهيمية من الفطرة، وقمع لهذه الغرائز التي أوجدها الخالق في الخلق لحماية النوع والحفاظ على البقاء، ثمة مثال ثالث، لم يرد عند واضعي أركان الإسلام، رغم أنه تكليف أمر الله به المؤمنين، هو القتال، في هذا المثال يوضح سبحانه {كتب عليكم القتال وهو كره لكم …} البقرة 216، أن القتال كتب على المؤمنين كما كتب على الذين من قبلهم، مما يذكرنا بآية الصوم (البقرة 183) التي تنص على أن الصيام كتب على المؤمنين كما كتب على الذين من قبلهم، ويذكرنا بأن الصلاة {كتاباً موقوتاً}، لكن البقرة 216 تزيد فتوضح بما لا يقبل الشك بأن الله يأمر المؤمنين بالقتال وهو كره لهم، صدق الله العظيم، فالقتال ضد الفطرة، والزكاة ضد الفطرة، والصيام ضد الفطرة .. وباختصار، الشعائر كلها ضد الفطرة .. ولو كانت من الفطرة لما أنزلها تعالى في محكم كتابه، وكلف المؤمنين بها تكليفاً، ولترك الخلق يؤدونها بفطرتهم دون أمر منه، تماماً كما تمتنع البقرة عن أكل اللحم، بفطرتها التي فطرها الله عليها، لقد اقتصرنا حتى هذه لسطور، على دحض مزاعم واضعي أركان الإسلام الخمس، وعلى تنبيه القائلين بها إلى مخالفة ذلك للتنزيل الحكيم .. ولكن هل وضع التنزيل أركاناً للإسلام؟ .. وما هي؟

ونقرأ قوله تعالى:

{إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} البقرة 62،
{ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين} فصلت 33،
{بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره …} البقرة 112،
{قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون} الأنبياء 108،
{قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا اسرائيل وأنا من المسلمين} يونس 90،
{ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك …} البقرة 128،
{ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن …} النساء 125،
{إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا …} المائدة 44،
ومن هذه الآيات وغيرها كثير، نفهم أن الإسلام هو التسليم بوجود الله، وباليوم الآخر، فإذا اقترن هذا التسليم بالإحسان والعمل الصالح، كان صاحبه مسلماً، سواء أكان من أتباع محمد (الذين آمنوا) أو من أتباع موسى (الذين هادوا) أو من أنصار عيسى (النصارى) أو من أي ملة أخرى غير هذه الملل الثلاث كالمجوسية والشيفية والبوذية (الصابئين)، فإذا قرأنا في ضوء ما تقدم قوله تعالى في أول سورة البقرة: {ألم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} نفهم أن الغيب هنا هو الله واليوم والآخر، وأن العمل الصالح والإحسان هو أركان الإسلام، فإذا فهمنا ذلك كله، رأينا منطقياً وطبيعياً أن يقول سبحانه إن الدين عنده هو الإسلام، وأنه لا يقبل ديناً غيره، إذ كيف يقبل الخالق من عباده ديناً هو غير موجود فيه بالأصل، وإذا فهمنا ذلك، ورأينا هذا، انتبهنا إلى أن التنزيل الحكيم حين يتكل عن الإيمان، وعن الذين آمنوا، فهو يتحدث عن نوعين من الناس، أو لنقل نوعين من الإيمان، أولهما الإيمان بالله واليوم الآخر، وهو الإسلام، ثانيهما الإيمان بمحمد (ص) ورسالته، ويدلنا على ذلك بشكل لا يقبل اللبس ما ورد في التنزيل الحكيم، وما سنعود إليه تفصيلاً مع القول في الإيمان، رأينا حتى الآن أن التنزيل يضع للإسلام أركاناً ثلاثة هي:

الإيمان تسليماً بوجود الله،
الإيمان تسليماً باليوم الآخر (ولاحظ معي هنا أن التسليم باليوم الآخر يعني ضمناً التسليم بالبعث)، أي أن الإيمان بالله واليوم الآخر هي المسلمة التي لا تقبل النقاش عند المسلم، وهذه هي تذكرة الدخول إلى الإسلام،
العمل الصالح والأحسان، (انظر فصل الذنوب والسيئات)،
ونتبين في هذه الأركان الثلاثة جانبين: جانب نظري بحت هو الإيمان بالله واليوم الآخر، وجانب منطقي عملي هو العمل الصالح والإحسان، إذ لا معنى للإيمان النظري دون سلوك عملي ينعكس فيه ويتجلى من خلاله، ومن هنا نفهم قول الرسول الأعظم إن صح: الخلق عيال الله، أحبهم إلى الله أنفعهم لعياله،


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق