الخميس، 11 يناير 2018

في بيتنا اخواني، ومدخلي، وتحررية!!

في بيتنا اخواني، ومدخلي، وتحررية!!
مضى زمن التلفاز الواحد، والقلب الواحد، والفكر الواحد...
أتذكر والدي حين كان يرغب باقتناء جهاز تلفاز ثان، ليستمتع ببرامج قناة الجزيرة، من دون امتعاض أفراد الأسرة...لكن والدتي وقفت للفكرة مثل جدار برلين، وحالت دون تحققها، وكان لها اعتبارات عقلانية خشيت من ورائها تفرق الأسرة، وجفاءها.
كان والدي اخوانيا، شابا متحمسا في فترة التسعينات، مثله مثل غيره من شباب تلك الفترة، كانوا يقدسون كل من ظاهره الالتزام، لم يتشربوا الفكر الإخواني، ولم يتعصبوا له، انما كان تعصبهم للإسلام، فقد كان الاخوان في تلك الفترة ممثلين عنه، في ظل غياب مذاهب أو حركات اصلاحية أخرى عن الساحة...
ورثنا عن والدي حب الاخوان، والمتدينين بصفة عامة، كنا نتحمس مع من يتحمس لهم، ونمقت من يمقتهم.
كان أعدى أعداء والدي، المفرنسين، والطرقيين، فكان سلفي المرجع، اخواني الفكر..
فمكتبته الكبيرة تحوي كتب الذهبي، والألباني، وأبو بكر جابر وابن باز وابن العثيمين...
كما حوت بعد ذلك كتب القرضاوي والغزالي ومحمد شلتوت وغيرهم كثيييير.
تقول والدتي أن أبي دفن كتب "الظلال" لمحمد قطب في حديقة المنزل بعد شراءها، فلم يتسن له قراءتها حتى بدأت حملات الاعتقالات ، ومحاكم التفتيش!!
كبرنا وأصبح لكل فرد منا توجهاته الفكرية بسبب انفراد كل منا مع جهاز حاسوبه، وأصبح لكل فرد جمهورية في كيانه...ورأي مستقل بذاته..
أخي الذي لم يرقه من مكتبة الوالد، سوى كتب "الإحياء" لأبو حامد الغزالي ، أصبح سلفيا...لا هم له في الحياة سوى التبديع والتفسيق والتجريح.
أما أختي الكبرى التي لم تكن تعنى سوى بقراءة الكتب التاريخية، أصبحت ناقدة لجميع تصرفات الرجال...ومطالبة شرسة بحقوق المرأة المهضومة...فقد نضج فكرها على قسم "المحتارة" في منتدى الجلفة وما يحويه من قصص مرعبة عن ظلم الرجال للنساء...
كبرنا وعرفنا أن نهج الاخوان ليس بالضرورة كل الاسلام، وأنهم بشر يخطؤون ويصيبون...لكن والدي رغم موافقته لجل أفكارنا ، غير أنه كان يعود دوما ليلعن النظام... وكثيرا ما أظهرت عيونه ابتسامة حماسة لرؤية "علي بلحاج".
كانت النقاشات على المائدة المستديرة محمومة بين أفراد الأسرة الواحدة...
فالأب محب الاخوان، والابن محب السلفية...وأختي كانت لا تتناول سوى مواضيع حقوق المرأة...حتى أن أخي السلفي كان ينعتها ممازحا ب "نوال السعدواي" ، فتغضب هي ونضحك نحن من غضبها...(طبعا اختي تعرف دينها وتلتزم أوامر ربها، فقط لديها غضب عارم نحو كل الرجال، كما أن اختلافات والدي وأخي، كانت تذوب لتتوائم و تلتقي عند نقطة "فقه المرأة"، فالكل يؤمن أن المرأة "الفتنة" كائن يجب أن يتعفن بين الجدران، ولا يحق له الخروج من المنزل سوى مرتين ، مرة حين تزف الى بيت زوجها، ومرة حين تدفن خارجه).
أما أنا فلشدة بلادتي وشهرتي بغبائي، وبطء فهمي، بين أفراد الأسرة، فكنت بمثابة النقطة التي تسبح في الفضاء، وتهيم في الفراغ...
لم أكن سريعة الفهم، وكانت المعلومة التي يفهمونها في ثوان، تأخذ معي أنا ساعات أو أسابيع وربما سنوات ضوئية...
كنت أرغب بمشاركتهم النقاش أحيانا، لكن اخوتي كانوا يسخرون من آرائي فيقولون((انتي كي تبغي تهدري، ارفدي يدك).
شهدت أسرتنا نقاشات محمومة وتعصب كل طرف لرأيه، ثم تعلمنا أخيرا التعايش مع تلك الأفكار، وتجنب الجدال والمراء، والخوض في الخلاف...
ورغم ذلك، تطفو العصبية أحيانا، مع كل مستجد على الساحة.
تألمت كثيرا بسبب وضع أمتنا، وانعكاسه الواضح على أفراد أسرتي...
بكيت ...وانفطر قلبي...ولزمت الكتب...وأمعنت النظر...فوجدت أن لا شيء يستحق لنتعصب لأجله سوى ((ماذا قدمنا نحن للأمة، عدا جدالاتنا؟!))
ومع مرور الأيام اتخذت تلك النقطة التائهة موقعا لها، وأصبحت نقطة التقاء محاور الأضلاع، في مثلث رؤوسه، أبناء أسرة واحدة، وأمة واحدة...
فهل يا ترى سوف نفلح يوما في رفع أوتاد خيمة واحدة، تتسع للجميع؟!
#بقلم: #شمس_الهمة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق