السبت، 23 ديسمبر 2017

ما أحوجنا إلى شعرة معاوية - رضي الله عنه - في حسن العشرة.


ما أحوجنا إلى شعرة معاوية - رضي الله عنه - في حسن العشرة.
لكاتب التصفية أبو عبد السلام جابر البسكري وفقه الله
بسم الله الرحمن الرحيم

ما أحوجنا إلى شعرة معاوية رضي الله عنه في حسن العشرة.

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أما بعد:

ربط الله بين قلوبنا برابط وثيق وهو الإيمان به و الولاء له والحب فيه ، وجعل لنا أخوة تجمعنا أكثر من أخوة الدم والنسب ، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات (10)].
وهذا الرابط الذي ربطنا الله تعالى به يتعدى حتى من سبقنا بالإيمان ومات على ذلك فهم إخواننا ولهم حق علينا فلا تنقطع علاقتنا بهم ، قال تعالى : {والَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر (10)] يقول الطبري في تفسير الآية : ولا تجعل في قلوبنا غلا ، غشا وحسدا وبغضا ( للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ) من كان في قلبه غل على أحد من الصحابة ولم يترحم على جميعهم فإنه ليس ممن عناه الله بهذه الآية لأن الله تعالى رتب المؤمنين على ثلاثة منازل : المهاجرين والأنصار والتابعين الموصوفين بما ذكر الله فمن لم يكن من التابعين بهذه الصفة كان خارجا من أقسام المؤمنين .إهـ ، فاللهم اجعلنا ممن عنيتهم بهذه الأية .
و في هذه الحياة التي لا تخلو من مسببات القطيعة و التهاجر بين أخوة المنهج الواحد ، ربما هي أسباب وهمية أو حتى أسباب ظنية أو حساسيات يُسعر نارها الشيطان ليقطع صلة المحبة بين الإخوان.
ولذلك لابد من الرجوع إلى النبع الصافي إلى أخلاق سلفنا وكيف كانت علاقتهم ومحبتهم لبعضهم قوية مفتولة وبحبل الله معتصمة و موصولة، كانوا يراعون مشاعر بعضهم في السراء والضراء في المنحة والمحنة في الشدة والرخاء.
وقد ضرب المهاجرين والأنصار أروع المثال في الأخوة التي نفتقدها اليوم ، فكان أول عمل قام به النبي صلى الله عليه وسلم بعد بناء المسجد هو توثيق العلاقة و رباط الأخوة بينهم ، حيث جمعت بينهم العقيد الصحيحة الدينية فكان أثرها تقاسم الأمور الدنيوية والمواساة بالمال و السكن ، حتى عرض سعد بن ربيع على أخيه عبد الرحمن بن عوف نصف ماله ليأخذه ، بل خيّره بين إحدى زوجتيه كي يطلّقها لأجله ، فشكر له عبد الرحمن صنيعه وأثنى على كرمه ، ثم طلب منه أن يدلّه على أسواق المدينة ، ولم يمرّ وقتٌ قصير حتى استطاع عبدالرحمن بن عوف أن يكون من أغنياء الصحابة .
وقد مدحهم الله سبحانه وتعالى لخصالهم وطيب نفوسهم و سعت صدورهم فقال عز وجل : { والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } ( الحشر : 9 ) .
و الأمثلة كثيرة ولكن لماذا تغيرت هذه العشرة و هذه المشاعر في وقتنا هذا بين الأخوة وكأنها أخوة على شعرة تخطأ تنقطع و تتبخر و تصبح كما يقال في خبر كان .
وها هو خال المؤمنين معاوية رضي الله عنه صاحب الحكمة و الحلم يقعد لنا قاعدة لتوطيد رابطة الأخوة و تمكينها و تثبيتها ، هذه القاعدة عامة بينك وبين الناس فما بالك إن كانت بينك وبين من تربطك به محبة في الله ، يقول رضي الله عنه : لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت. قيل: وكيف ذلك؟ قال: كنت إذا مدوها خليتها، وإذا خلوها مددتها. [عيون الأخبار لابن قتيبة1/62 ].
ما أحوجنا إلى شعرة معاوية رضي الله عنه ، حيث إذا أحسست من أخيك النفور توددت إليه و أرخيت بصدق المشاعر والأحاسيس إليه وقابلت السيئة بالحسنة ومحوت مكدرات التقاطع بصفاء الود والحب.
وإذا اشتد إخوانك عليك بالتثريب واللوم بسبب بعدك وتقصيرك ، فلين الجانب منك مطلوب و العذر إليهم مرغوب فيه ومحبوب ، فحافظ على على هذه العشرة واحذر انقطاع الشعرة و راقب أحاسيس إخوانك بالسؤال و حسن العشرة في الشدة والعسرة.
يقول سبحانه وتعالى : {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34].
نعم ليس سهلا لبعض الناس أن يتنازل عن حقه فيقابل السيئة بالحسنة ، أن يقابل من في ظنه أنه سبب له بعض المشاكل ولكن لابد من الدفع بالتي هي أحسن ، يدفع قدر ما استطاع من الغضب والغيض و يسمح و يصفح لأخيه الذي عاداه ، وبهذا يرجع وليا حميما و تجتمع القلوب المتنافرة في هذه الحياة .
قال تعالى : { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [آل عمران: 134].
منقول


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق