السبت، 18 نوفمبر 2017

العمل في الإسلام

العمل في الإسلام:

حثَّ الإسلام على العمل والسعي لكسب الرزق، لكي يكون المسلم في مجتمعه منتجاً فاعلاً، بدل أن يكون عالةً على المجتمع، ويساهم ذلك في توفير حياة كريمة له ولأهله، وفي قوة المجتمع الإسلامي وازدهاره، وقد أُشير إلى أهمية العمل ومكانته في القرآن الكريم في العديد من المواضع، كما أنّ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- قد مدح اليد المنتجة العاملة، ودعا إلى أن يكون المسلم منتجاً في كثير من النصوص، وكان ذلك واضحاً جليّاً في سيرته صلى الله عليه وسلم، ولم يغفل الإسلام عن وضع ضوابط وأحكام للعمل المشروع الذي يمكن للمسلم القيام به، والأعمال التي يجب ألا يقترب منها.

يحظى العمل في الإسلام بمنزلة خاصة واحترام عظيم، ويكفي في إظهار قيمتهما قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها، فليفعل”، وهو “دليل على أن العمل مطلوب لذاته ، وأن على المسلم أن يظل عاملا منتجا، حتى تنفد آخر نقطة زيت في سراج الحياة”، ويعتبر الإسلام أن العمل الصالح هو جهد مبرور في سبيل الله، كما جاء في حديث كعب بن عجرة قال:«مر النبي على رجل، فرأى أصحاب رسول الله من جَلده ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله! فقال رسول الله: “إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج على نفسه يُعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان”. لذا فإن العمل الصالح مهما كان ضئيلا فإنه عند الله بمكان عظيم، وفي الصحيح يقول النبي: “لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس”، وفي رواية أبي داود أن الرجل “لم يعمل خيرا قط”، فإن العمل النافع لا يضيع عند الله، وحتى في حق البهائم ورد في الصحيح.

في كل كبد رطبة أجر

أن رسول الله قال: “بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلبَ من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه، حتى رقي فسقى الكلب، فشكرَ الله لهُ فغفَرَ له” قالوا: يا رسول الله إن لنا في البهائم أجرا؟ فقال: “في كل كبد رطبة أجر”. من جانب آخر نجد النبي يعلم أمته أن عمل الإنسان بيده مما يشرفه، فهو أزكى الكسب وشأن الأنبياء: “ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده”، وفي رواية: “كان لا يأكل إلا من عمل يده”، ويذكر النبي لأصحابه أنه “ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت، فقال: نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة”، وفي هذا إظهار لشرف العمل، وأنه سبيل أنبياء الله الكرام، ويؤكد التوجيه النبوي حرص الإسلام على كرامة العامل، ويربيه على أن يكون فعالا منتجا، لا مِنَّة للناس عليه: “لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا فيسأله، أعطاه أو منعه”.

ثمار العمل الصالح

يقرر الإسلام أن العمل الصالح تمتد آثاره ثم تأتي ثماره من كل جهة، ويبين ذلك حديث النبي: “ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة”. بل إن حديث الشيخين وغيرهما عن النبي في قصة الثلاثة الذين حُبسوا في الغار، ليقرر أن أحد أسباب دفع البلاء واستجابة الدعاء، هو الإخلاص لله والأمانة في أداءِ حق العامل، لما تصنعه الأمانة في النفوس من التوازن، واليقين بأن جهد العامل لا يضيع مع مرور الوقت، وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمَّرتُ أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أدِّ إليَّ أجري، فقلت: كل ما ترى من أجرك: من الإبل والبقر والغنم والرقيق. فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي! فقلت: لا أستهزئ بك، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة،فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون”.

العمل النافع..عبادة وواجب كفائي

ينفرد الإسلام بفكرة لا يشاركه غيره فيها، وهي “أن البناء على المقاصد الأصلية يصير تصرفات المكلف كلها عبادات، كانت من قبيل العبادات أو العادات، لأن المكلف إذا فهم مراد الشارع من قيام أحوال الدنيا، وأخذ في العمل على مقتضى ما فهم، فهو إنما يعمل من حيث طلب منه العمل، ويترك إذا طلب منه الترك. فهو أبدا في إعانة الخلق على ما هم عليه من إقامة المصالح باليد واللسان والقلب، لذا فإن أي عمل نافع لا تنهى عنه الشريعة فهو عبادة وواجب كفائي “يطلب من مجموع المكلفين وذلك كتعلم الصنائع المختلفة. وأنه إذا فعله أحد المكلفين سقط الطلب عن الباقين، وارتفع الإثم عنهم جميعا، وإذا أهمله الجميع أثموا جميعا”، ولا يسقط فرض الكفاية إلا عند قيام الكفاية.

إن هدف العمل في الإسلام ليس كسب المال فقط، ففضلا عن معانيه التعبدية، فإن من غاياته تحقيق الأمن الاجتماعي بين الناس، وهذا يؤدي إلى التوازن النفسي على مستوى الفرد والجماعة، وكم من مجتمعات بلغت الغاية في الكسب المادي، ولكن أفرادها ظلت حياتهم مملوءة بالقلق والخوف والوحدة والشعور الحاد بالغربة القاتلة، وكأنها تعيش في غابة مملوءة بالوحوش الكاسرة، لذا نجد علاقات طردية بين العمل الصالح -والذي من ورائه بسط الرزق- والتوازن الاجتماعي، وهذا المفهوم يتضح من خلال الحديث الصحيح: “من سره أن يبسط له فيرزقه أو يُنسأ له في أثره فليصل رحمه”.

اليد العليا خير من اليد السفلى

من لوازم إدراك أهمية العمل وأسباب جني ثماره، عدم الخلط بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، وإلا حصلت نتائج خطيرة، ويلاحظ أن الإسلام أكد أهمية العمل ووضح المسؤولية الذاتية التي هي مناط التكليف، وكان التوجه النبوي الكريم تجاوز كل المعوقات التي قد تشل طاقة الإنسان الفعالة في العمل، وتمت ترجمة التوجيهات النبوية في المواقف العملية للصحابة الكرام، فقد “كان أصحاب النبي عمال أنفسهم، وعندما كان بعض الصحابة يعرض على أخيه أن يشاطره نصف ماله، كان يدعو له بالبركة، ثم يقول: “دلوني على السوق”، فلا يرضى إلا أن يكون العمل الجاد المشرف هو المقابل للإيثار العظيم الذي بادره به أخوه، ولقد ربى النبي أصحابه على مبدأ عظيم: “اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول”، حتى أنه كان يشجع صبيان المسلمين على العمل.

ومن أهمية العمل في الإسلام أنه أحد معايير التقييم لدرجة أن عمر بن الخطاب كان “إذا رأى غلاما فأعجبه سأل: هل له حرفة؟ فإن قيل:لا، قال: سقط من عيني”، وبلغ من حرص الأصحاب رضي الله عنهم أن “(صنع القفاف ونحوها من الخوص وهو ورق النخيل) كانت حرفة سلمان الفارسي، حتى وهو أمير في المدائن، فيعيش بها، وكان يقول: أحب أن أعيش من عمل يدي، وسار على ذلك فقهاء الإسلام الكبار يحثون الأمة على العمل.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق