الثلاثاء، 30 مايو 2017

أطلــتَ عَلينَــا القـيامَ يَا إمَــام !

أطلتَ عَلينَا القيامَ يَا إمَام !

الحمد لله رب العالمين، و صلى الله و سلم على نبينا محمد الأمين، و على أله و صحبه، و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
و بعد، فلا شك أن اليوم في فصل الصيف طويل و شاق، بالإضافة إلى الصيام فإنه يزداد مشقة على مشقة، ثم يُختم ليله بصلاة طويلة، كثير ة الركعات، و هي صلاة التراويح.
فصلاة التراويح تميزت بطول القيام، بعد يوم من الصيام، لذلك يتعبُ كثير من الأنام، فأحببت أن أكتب هذه الأسطر لعلها تخففُ التعب عن المصلين، و تسليهم للثبات على هذه العبادة في باقي الأيام، من شهر الصيام.
أقول أولا : إن نبينا صلى الله عليه و سلم غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر، و مع ذلك فإنه كان يقوم حتى تتورم قدماه، و ما ذلك إلا شكرا لله، روى البخاري في صحيحه عن المغيرة بن شعبة، قال : قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه، فقيل له : غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال : "أفلا أكون عبدا شكورا"، و رواه مسلم عنه أيضا بلفظ "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى حتى انتفخت قدماه، فقيل له : أتكلف هذا؟ وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال : "أفلا أكون عبدا شكورا" ؛ فهذا حال نبينا صلى الله عليه و سلم في صلاته، و هو قد غفر له ما تقدم و ما تأخر، فكيف بنا نحن نذنب بالليل و النهار، و ليس لنا توبة و لا استغفار، مع ذلك ما انتفخت أقدامنا و لا تورمت؛ فأكثرنا الشكاية، و الله المستعان.
ثانيا : نبينا صلى الله عليه و سلم ما ترك قيامه، صحيحا كان أو مريضا، روى أبو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت : لا تدع قيام الليل، فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان لا يدعه، و كان إذا مرض أو كسل صلى قاعدا" قال الألباني رحمه الله : إسناده صحيح على شرط مسلم، فكيف بنا نحن نتنعم بالصحة و العافية، خاصة إذا كنا شبابا، نشتكي التعب، و قد تجد كبير السن أمامك يصلي و هو صابر لا يشتكي.
ثالثا : اعلم أن القيام بالليل من أجل القربات إلى الله تعالى، خاصة و نحن في زمن غفلة، و قد لا يصلى الواحد منا ركعة لربه بالليل إلا في رمضان، و هذه العبادة لها فضائل عظيمة، جديرة بالحرص عليها منا.
فمن فضائل القيام :
1 _ قيام رمضان سبب لمغفرة الذنوب : روى الشيخان في صحيحيهما، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه".
2 _ القيام مع الإمام حتى ينصرف يعدل قيام ليلة : روى الترمذي و ابن ماجة، عن أبي ذر قال : صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصل بنا، حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة، وقام بنا في الخامسة، حتى ذهب شطر الليل، فقلنا له : يا رسول الله، لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه ؟ فقال :" إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة "، ثم لم يصل بنا حتى بقي ثلاث من الشهر، وصلى بنا في الثالثة، ودعا أهله ونساءه، فقام بنا حتى تخوفنا الفلاح، قلت له : وما الفلاح، قال :"السحور". صححه الألباني رحمه الله.
3 _ نعم الرجل المصلي من الليل : روى البخاري في صحيحه، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، قال : كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتمنيت أن أرى رؤيا، فأقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت غلاما شابا، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني، فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر وإذا لها قرنان وإذا فيها أناس قد عرفتهم، فجعلت أقول : أعوذ بالله من النار، قال : فلقينا ملك آخر فقال لي : لم ترع، فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل" فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا.
4 _ القيام مع الجماعة في رمضان كان عليه الصحابة رضي الله عنهم : روى البخاري في صحيحه، عن عبد الرحمن بن عبد القاري، أنه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ليلة في رمضان إلى المسجد ، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر : "إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد، لكان أمثل" ثم عزم، فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر : "نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون" يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله.
5 _ النبي صلى الله عليه و سلم يدعو لمن قام من الليل فصلى : روى أبو داود في سننه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "رحم الله رجلا قام من الليل فصلى، و أيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، و رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت، و أيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء" قال الألباني رحمه الله : إسناده حسن صحيح.
6 _ أفضل صلاة بعد الفريضة : روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، و أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل".
7 _ القائم بالليل له غرفة بالجنة : عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن المبي صلى الله عليه و سلم قال : "في الجنة غرفة يُرى ظاهرها من باطنها ، و باطنها من ظاهرها " فقال أبو مالك الأشعري : لمن هي يا رسول الله؟ قال :" لمن أطاب الكلام، و أطعم الطعام، و بات قائما و الناس نيام". (صحيح الترغيب و الترهيب 617).
8 _ قيام الليل دأب الصالحين قبلنا : عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن المبي صلى الله عليه و سلم قال :" عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، و قربة إلى ربكم، و مَكْفَرَةٌ لسيئاتكم، و منهاة عن الإثم" (صحيح الترغيب و الترهيب 624).
هذا ما يسر الله تعالى جمعه و كتابته على عجالة، و المقصد منه إيقاظ الهمم، و تسلية المصلين، و ترغيب الغافلين، وليس المقصد استيفاء الموضوع حقه، فأسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا، و أن يعلمنا ما ينفعنا، و أن يوفقنا للعمل به على أكمل وجه.
و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.
كتبه : يوسف صفصاف.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق