الجمعة، 28 أبريل 2017

شهر شعبان للشيخ إبراهيم الرحيلي.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله،وحده ،والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.وبعد... فهذه الكلمة الشهرية الثامنة، وهي خاصة بشهر شعبان.

أولاً: التعريف بالشهر:
شعبان هو اسم لهذا الشهر ،وهو الشهر الثامن من الأشهر العربية ،ويقع بين رجب ورمضان، قال النبي النبي صلى الله عليه وسلم : « ذلك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان... ». [ أخرجه أحمد (36/85)،برقم(21745)،والنسائي(4/171)،وقد حسن إسناده محققو "المسند"].
وهو مشتق من شعب ،وتطلق هذه الكلمة على معنى التفرق ،
قال ابن السكيت:" وقد شَعَب الشيء، إذا فرقه وبينه وأصلحه, وقد شَعَبَهُ إذا فرقه, ومنه سميت المنية شعوب؛ لأنها تفرق". [إصلاح المنطق (ص: 192)].
وقد اختلف في سبب تسميته على قولين:

الأول:أن العرب كانوا يتشعبون فيه.إما لطلب المياه ،أو للغارات
قال ابن فارس:"سمي شعبان لتشعبهم فيه، أي: لتفرقهم في طلب المياه.[مقاييس اللغة (3 / 192)].
وقال النووي:" شعْبَان سمي لتشعبهم فِيهِ لِكَثْرَة الغارات". [تحرير ألفاظ التنبيه (ص: 124)].

الثاني: قيل لأنه شَعَب أي ظهر بين شهري رجب ورمضان.
قال ثعلب: "قال بعضهم إنما سمي شعبان شعبان لأنه شعب، أي ظهر بين شهري رمضان ورجب"[ لسان العرب (1 / 502)].
وأطلق على هذا الشهر (العجلان).
قال الزبيدي :" والعجلان :شعبان، سمي بذلك لسرعة مضيه ونفاده، أي نفاد أيامه، قال ابن سيده: وهذا القول ليس بقوي لأن شعبان إن كان في زمن طويل الأيام فأيامه طوال، وإن كان في زمن قصير الأيام فأيامه قصار، قال ابن المكرم: وهذا الذي انتقده ابن سيده ليس بشيء لأن شعبان قد ثبت في الأذهان أنه شهر قصير، سريع الانقضاء، في أي زمان كان، لأن الصوم يفجأ في آخره، فلذلك سمي العجلان، والله أعلم".[تاج العروس (29 / 432)].

ثانياً: الأعمال المشروعة فيه:

الإكثار من الصيام:

ثبت في السنة أن النبي كان يكثر من الصيام فيه فيصوم أكثره.أخرج الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: « كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر ،ويفطر حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله r استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان » [صحيح البخاري مع الفتح (4/213)، برقم (1969)،ومسلم (2/810)، برقم (1156).]

وفي رواية عنها قالت : « لم يكن النبي النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرا أكثر من في شعبان ،وكان يصوم شعبان كله » [أخرجه البخاري (4/213)، برقم (1970).]وفي رواية: « لم أره صائماً من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان ،كان يصوم شعبان كله ، كان يصوم شعبان إلا قليلا » [أخرجه مسلم (2/811)، برقم (1156).] ونقل الترمذي عن ابن المبارك قال :جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقال :صامه كله . قال الترمذي: « كأن ابن المبارك رأى كلا الحديثين متفقين ».[سنن الترمذي (3/105).]
وقال النووي: قولها : « كان يصوم شعبان كله كان يصومه إلا قليلا » الثاني تفسير للأول وبيان أن قولها: «كله » ،أي غالبه.[شرح صحيح مسلم (8/37)]،وإليه ذهب ابن حجر [فتح الباري(4/214)].
وفي توجيه اللفظين أقوالاً أخر.[شرح صحيح مسلم (7/38)]،[فتح الباري (4/214-215)]،وهذا أصحها والله أعلم.
وقد دلت الأحاديث على تخصيص شعبان بكثرة الصيام دون غيره ؛فدل على فضل صيامه على هذه الصفة ،على صيام غيره من الأشهر.
قال ابن رجب رحمه الله:" صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم، وأفضل التطوع ما كان قريب من رمضان قبله وبعده، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بَعُد عنه". [لطائف المعارف لابن رجب (ص: 129)].
قلت: ما ذكره رحمه الله من أن صيام شعبان بمثابة السنة القبلية لرمضان يقابله صيام ستة من شوال ،فيكون بمثابة السنة البعدية لصيام رمضان،وبهذا تظهر حكمة الشارع فيما شرع من صيام شعبان وشوال ،وأنهما بمثابة السنن القبلية والبعدية للصيام الواجب ،وهو صيام رمضان ،كما أن للصلوات سنناً قبلية وبعدية من جنسها .
وقد اختلف في الحكمة في تخصيص شعبان بكثرة الصيام تبعاً لاختلاف الروايات في ذلك ،وأصح ما جاء فيه ما أخرجه أحمد من حديث أسامة بن زيد وفيه قال:قلت:يا رسول الله ،ولم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان قال: « ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان،وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين،فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ».[ أخرجه أحمد (36/85)،برقم(21745)،والنسائي(4/171)،وقد حسن إسناده محققو "المسند"].

ثالثاً: ما أحدث فيه من البدع:

1- بدعة الصلاة الألفية وهذه من محدثات وبدع ليلة النصف من شعبان وهي مائة ركعة تصلي جماعة يقرأ فيها الإمام في كل ركعة سورة الإخلاص عشر مرات،وإن شاء صلى عشر ركعات يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة قل هو الله أحد مائة مرة، وهذه بدعة منكرة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" فأما الحديث المرفوع في هذه الصلاة الألفية: فكذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث" [اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (2 / 146)].

وقال ابن القيم:" والعجب ممن شم رائحة العلم بالسنن أن يغتر بمثل هذا الهذيان ويصليها؟!."[ لمنار المنيف (ص: 99)].
2- تخصيص ليلة النصف من شعبان بصلاة ونهارها بصيام لحديث : "إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها" ..و هذا الحديث لا أصل له،ولا يعمل إلا بما ثبت من السنة فتبين بدعية إحياء ليلة النصف من شعبان ،وأما صيام الخامس عشر من شعبان فإن كان بهذه النية فبدعة محدثة ،وإن قصد بصيامه صيام الأيام البيض مع يومين قبله فهذه سنة دلت عليها الأحاديث الصحيحة ولكن صيام الأيام البيض ليس خاصا بشعبان بل يشرع صيام هذه الأيام في كل شهر.

3- صلاة ست ركعات في ليلة النصف من شعبان بقصد دفع البلاء ، وطول العمر ، مع قراءة سورة يس والدعاء،فذلك من البدع المحدثة التي لم يدل عليها دليل من الشرع ،بل صرح العلماء ببدعيتها .
قال الإمام النووي رحمه الله:"الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب وهي ثنتى عشرة ركعة تصلى بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة في رجب وصلاة ليلة نصف شعبان مائة ركعة وهاتان الصلاتان بدعتان ومنكران قبيحتان ولا يغتر بذكرهما في كتاب قوت القلوب وإحياء علوم الدين ولا بالحديث المذكور فيهما فإن كل ذلك باطل ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات في استحبابهما فإنه غالط في ذلك ".[ المجموع شرح المهذب (4 / 56)].

وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق