الجمعة، 31 مارس 2017

بحر الدموع -تتمة-

(1)
وقال عبد الله بن بسر: أتى رجل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام كثرت عليّ فأمرني بشيء أتشبث به، فقال: "لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله تعالى"
(2)
وفي الخبر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "ما من يوم إلا وبقاع الأرض تنادي بعضا بعضا: يا جارة، هل جاز عليك اليوم ذاكرا لله تعالى"
(3)
إخواني، إذا صعدت الملائكة من مجالس الذكر، قال المولى جل علاه: يا ملائكتي، أين كنتم، وهو أعلم، فيقولون: يا ربنا، أنت أعلم، كنا عند عبادك يسبّحونك ويقدّسونك ويعظمونك ويمجّدونك ويسألونك ويستغفرونك ويستعيذونك، فيقول: يا ملائكتي، وما الذي طلبوا؟ ومما استعاذوا؟ فيقولون: يا ربنا أنت أعلم، طلبوا الجنة، واستعاذوا من النار، فيقول: يا ملائكتي، اشهدوا إني قد أعطيتهم ما طلبوا، وأمنتهم مما خافوا، وأدخلهم الجنة برحمتي
(4) "
وفي الخبر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الله تبارك وتعالى يقول: "عبدي اذكرني ساعة بالغداة وساعة بالعشيّ، أكفك ما بينهما".
وفي بعض الكتب المنزلة أن الله تبارك وتعالى يقول: يا ابن آدم ما أجبرك! تسألني، فأمنعك لعلمي بما يصلحك، ثم تلح عليّ في المسألة، فأجود برحمتي وكرمي عليك، فأعطيك ما سألتني، فتستعين بما أعطيك على معصيتي، فأهمّ بهتك سترك، فكم من جميل أصنعه معك، ومن من قبيح تعمله معي. يوشك أن أغضب عليك غضبة لا أرضى بعدها أبدا.
وفي بعض الكتب المنزلة أيضا: يقول الله تبارك وتعالى: عبدي، إلى كم تستمر
(1) صححه الحاكم في المستدرك، وضعفه الذهبي في التلخيص.
(2) رواه الترمذي 3375، وابن ماجه وصححه ابن حبان.
(3) رواه ابن المبارك في الزهد.
(4) مسلم 632.

على عصياني، وأنا غذيتك برزقي وإحساني، أما خلقتك بيدي؟ أما نفخت فيك من روحي؟ أما علمت فعلي بمن أطاعني، وأخذي لمن عصاني؟ أما تستحي تذكرني في الشدائد وفي الرخاء تنساني؟ عين بصيرتك أعماها الهوى. قل لي بماذا تراني، هذا حال من لم تؤثر فيه الموعظة، فإلى كم هذا التواني؟ إن تبت من ذنبك، آتيتك أماني. اترك دارا صفوها كدر، وآمالها أماني. بعت وصلي بالدون، وليس لي في الوجود ثاني. ما جوابك إذا شهدت عليك الجوارح بما تسمع وترى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً} آل عمران 30.
وأنشدوا:
تعصي الإله وأنت تدعي حبه ... هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع
قال مالك بن دينار: دخلت على جار لي وهو في الغمرات يعاني عظيم السكرات، يغمى عليه مرة، ويفيق أخرى، وفي قلبه لهيب الزفرات، وكان منهمكا في دنياه، متخلفا عن طاعة مولاه، فقلت له: يا أخي، تب إلى الله، وارجع عن غيّك، عسى المولى أن يشفيك من ألمك، ويعافيك من مرضك وسقمك، ويتجاوز بكرمه عن ذنبك. فقال: هيهات هيهات! قد دنا ما هو آت، وأنا ميّت لا محالة، فيا أسفي على عمر أفنيته في البطالة. أردت أن أتوب مما جنيت، فسمعت هاتفا يهتف من زاوية البيت: عاهدناك مرارا فوجدناك غدارا.
نعوذ بالله من سوء الخاتمة، ونستغفره من الذنوب المتقادمة.
يا أخي أقبل على قبلة التوجه إلى مولاك، وأعرض عن مواصلة غيّك وهواك وواصل بقية العمر بوظائف الطاعات، واصبر على ترك عاجل الشهوات، فالفرار أيها المكلف كل الفرار من مواصلة الجرائم والأوزار، فالصبر على الطاعة في الدنيا أيسر من الصبر على النار.

أمولاي إني عبد ضعيف ... أتيتك أرغب بما لديك
أتيتك أشكو مصاب الذنوب ... وهل يشتكى الضر إلا إليك
فمنّ بعفوك يا سيّدي ... فليس اعتمادي إلا عليك


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق