الخميس، 11 يونيو 2015

تعظيم شهر رمضان بالصيام والإكثار فيه من الطاعات واجتناب المحظورات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا .
أما بعد:
أيها الناس، فلقد أظلّكم شهر كريم وموسم عظيم، «أُعطِيت فيه هذه الأمة خمس خصال لم تعطهنّ أمة من الأمم قبلهم: خلوفُ فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك - وخلوفُ فم الصائم هي: الرائحة الكريهة التي تخرج من المعدة عند خلوِّها من الطعام، هذه الرائحة أطيب عند الله من ريح المسك - وتستغفر لهم الملائكةُ حتى يفطروا، ويُزيِّن الله كل يوم جنته فيقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ويصيروا إليك، وتصفّد فيه مردةُ الشياطين فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويُغفر لهم في آخر ليلة منه»(1).
إنه شهر رمضان «مَن صامه إيمانًا واحتسابًا غفرَ الله له ما تقدّم من ذنبه»(2)،«ومَن قامه إيمانًا واحتسابًا غفَرَ الله له ما تقدم من ذنبه»(3)، «فيه تُفتح أبواب الجنة وتُغلق أبواب النيران»(4) .
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال الله عزَّ وجل: «كل عمل بن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به»، والصوم جُنَّة - يعني: وقاية من الإثم والنار - فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله فلْيقل: إني صائم، والذي نفس محمد بيده، لخلوفُ فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه»(5)، أما فرحه عند فطره فيفرح بنعمتين؛ أُولى هما: نعمة الله عليه بالصيام، وقد ضَلَّ عنه كثير من الناس، والثانية: نعمة الله عليه بإباحة الأكل والشرب والنكاح وما كان ممنوعًا منه في الصيام، وأما فرحه عند لقاء ربه: فيفرح بِما يجده من النّعيم المقيم في دار السلام .
وفي صحيح البخاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن في الجنة بابًا يقال له الريان يدخل منه الصائمون لا يدخله غيرهم، فإذا دخلوا أُغلق ولم يُفتح لغيرهم»(6).
اللهم إنَّا نسألك أن تجعلنا من الداخلين فيه، اللهم اجعلنا من الداخلين فيه، اللهم اجعلنا من الداخلين فيه .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا تُرد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتُفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزَّتي لأنصرنَّكِ ولو بعد حين»(7) .
عباد الله، اغتنموا شهر رمضان بكثرة العبادة، وكثرة الصلاة والقراءة، والإحسان إلى الخلق بالمال والبدن والعفو عنهم؛ فإن الله يحب المحسنين ويعفو عن العافين، واستكثروا فيه من «أربع خصال: اثنتان تُرضون بهما ربكم واثنتان لا غنى لكم عنهما، فأما اللتان تُرضون بهما ربكم: فشاهدة أن لا إله إلا الله والاستغفار، وأما اللتان لا غنى لكم عنهما: فتسألون الله الجنة وتستعيذون به من النار»(8).
عباد الله، احفظوا صيامكم عن النواقص والنواقض، احفظوه عن اللغو والرفث وقول الزور، وقول الزور: كلُّ قول محرم، وعمل الزور: كلُّ عمل محرم«فمَن لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»(9)، ومَن لم يحفظ صيامه عمَّا حرّم الله فيوشك ألا يكون له من صيامه إلا الجوع والظمأ .
اجتنبوا الكذب والفحش والغش والخيانة، اجتنبوا الغِيبة والنّميمة، اجتنبوا الأغاني المحرمة واللهو المحرم فعلاً وسماعًا؛ فإن كل هذه من منقّصات الصيام .
قوموا بِما أوجب الله عليكم من الصلاة في أوقاتها وأداءها مع الجماعة، قوموا بالنصيحة للمؤمنين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإن الحكمة من الصيام التّقوى، يقول الله عزَّ وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:183] .
اجتهدوا - أيها المسلمون - في قراءة القرآن فإنه كلام الله عزَّ وجل، لكم الشرف في تلاوته والأجر، ولكم بالعمل به الحياة الطيّبة وطيب الذكْر، «ولكم بكل حرف منه عشر حسنات»(10)، وإذا مررتم بآية سجدة فاسجدوا في أي ساعة من ليل أو نهار، كبِّروا عند السجود وقولوا في السجود: سبحان ربي الأعلى وادعوا بِما شئتم، إن تيسَّر لكم معرفة ما ورد في ذلك فادعوا به وإلا فادعوا بأي دعاء مناسب ثم قوموا من السجود بلا تكبير ولا سلام إلا إذا سجدتم في الصلاة فلا بُدّ من التكبير عند السجود وعند النهوض .
أيها المسلمون، فاحرصوا على تلاوة كتاب الله، واسمعوا إلى قول الله عزَّ وجل: ﴿الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ﴾ [إبراهيم:1-3] .
اللهم ارزقنا اغتنام الأوقات بالأعمال الصالحة، اللهم احفظنا عن الأعمال السيئة، اللهم وفِّقنا لِمَا تحبه وترضاه يا رب العالمين .
اللهم حقِّق لنا ما نرجوه من المصالح في الدنيا والآخرة، اللهم ﴿لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: 8] .
والحمدُ لله رب العالمين، وأصلي وأسلِّم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

فضيلة الشيخ...ابن عثيمين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق