الجمعة، 29 مايو 2015

(الكهنوتي) و(العقلوتي) و(السلفوتي) !

(الكهنوتي) و(العقلوتي) و(السلفوتي) !
الذي يتحدث باسم الله هو (الكهنوتي) ، وهو الذي لا يفرق بين القطعي والظني من أحكام الله تعالى ومن دلالات شرعه ، فيجعل اجتهاده وفهمه والظني من الشرع كله حكما لله مقطوعا به ، بل حتى اجتهاده الظاهري وسطحيته في فهم النص كله يجعله حكم الله ، ولذلك يشنع على من يخالفه ويضلله وينكر عليه ، وليس يَرِدُ في فهمه (مجرد إيراد) وجود مخالف له يكون اختلافه معه معتبرا ، إلا إذا كان المخالف ممن سمح هو له بممارسة الكهنوت مثله ممن يعظمهم من العلماء ، فخلاف الكهنوتيين عنده هو الاختلاف المعتبر ، وأما خلاف غيرهم فبدعة وضلالة !!
وهذا الكهنوتي مضر جدا ولا شك ، ولكنه ليس أكثر ضررا من (العقلوتي) : على وزن ساخر واشتقاق غير صحيح من (الكهنوتي) ، وهو الذي جعل من نفسه المتحدث الرسمي باسم العقل ، وهو الذي يجعل من مزاجه العقلي ضابط (العقلي) من (اللاعقلي) ، ولا يفرق بين حكم عقلي قطعي وحكم عقلي ظني : فإذا رفض قطع في الرفض ، باسم العقل ، حتى ولو كان العقل لا يقطع بالرفض . وإذا قبل قطع بالقبول ، باسم العقل أيضا ، ولو كان العقل لا يقطع بالقبول .
فهو غالبا يتحدث باسم العقل ، ونيابة عن العقلاء ، ويستغبي الآخرين ، ويستحمق الباقين !!
وما دام العقل والنقل لا يتعارضان ، فإن هذا (العقلوتي) إذا تحدث عن فهمه العقلي من القرآن سيجعل فهمه هذا هو مراد الله تعالى يقينا ، حتى في الفهم الظني ، بل حتى في الفهم المغلوط ! فعاد (العقلوتي) كـ(الكهنوتي) تماما ، لكنه كهنوت باسم العقل ، والذي سيعود ليكون باسم رب العقل ؛ ما دام صاحبه مؤمنا بالله تعالى .
و(الكهنوتي) و(العقلوتي) ليسا بأسوأ من (السلفوتي) : وهو الذي يجعل الموقف الفردي لأحد السلف (وهو ليس بحجة) وما لا يُقطع في كونه منهجا للسلف منهجا قطعيا يقينيا ، فالمنهج السلفي عنده هو كل ما أراد نسبته للسلف ، بدليل يقيني أو بدليل ظني أو حتى بفهم مغلوط أو نسبة خطأ ؛ فكله منهجٌ للسلف : يُبدع مخالفه ، ويُضلّل ، إن لم يُكفّر .
وما دام أن المنهج إذا صح كونه منهجَ السلف فنسبته إلى الشرع ستكون نسبة يقينية ، فسيكون هذا (السلفوتي) متحدثا باسم الله (كهنوتيا) أيضا ! وما دام شيخ الإسلام ابن تيمية قد درأ تعارض العقل والنقل ، فسيكون هذا السلفوتي (عقلوتيا) أيضا ، ولو لم يكن له من العقل ؛ إلا ما يجعله موضعا للتكليف والمحاسبة !! فهو (سلفوتي) و(كهنوتي) و(عقلوتي) في آن واحدة !!!
ولن ننجو من هذا الثلاثي المرح إلا إذا :
1- تواضعنا للمعرفة ، وعرفنا أولا كثرة الظنيات في أحكام شرعنا وعقلنا وفيما ننسبه إلى السلف .
2- ثم وضعنا قاعدة منهجية نحتكم إليها ، تضع ضوابط التفريق بين يقيني النقل والعقل وما ننسبه إلى السلف وظني ذلك كله .
3- ثم تعمقنا في العلوم النقلية والعقلية وفي ضبط منهج السلف ، لنستطيع تفعيل تلك القاعدة عمليا .
لكي ننجو من مرح هؤلاء الثلاثة (الكهنوتي) و(العقلوتي) و(السلفوتي) = الذي أضحك الأمم علينا ، وأبكانا ، بعد أن فرقنا وأضعفنا وجعلنا متخلفين .

تاريخ النشر : 1436/08/09 هـ

حــــــــاتم العوني


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق