الأحد، 31 أغسطس 2014

العِلْمُ للعَمَلِ




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته











قال رجل لأبي هريرة رضي الله عنه: أريد أن أتعلم العلم وأخاف أن أضيعه. فقال: كفى بترك العلم إضاعة.











للعلم مكانة عالية رفيعة فالعلم نور الحياة، وسبيل الخير والرفعة والمجد للفرد والأمة، به يعرف الإنسان دينه ودنياه، ويعرف طريقه وغايته.ويكفي دليلا على أهميته أن أول أمر نزل من أوامر القرآن وأول كلم ة نزلت هي كلمة «اقرأ» وزيادة في فضل العلم فقد أمر سبحانه وتعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بالاستزادة من العلم قال تعالى : ﴿وقل رب زدني علما﴾









وكفى بالعلم شرفا أنّه ميراث النبوة؛ مرّ أبو هريرة رضي الله عنه بسوق المدينة فوقف عليها، فقال يا أهل السّوق ما أَعْجَزَكُم! قالوا: وما ذاك يا أبا هريرة؟ قال: ذاك ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُقْسَمُ وأنتم هاهنا ألا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه قالوا وأين هو؟ قال في المسجد فخرجوا سراعا، ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا فقال لهم: مالَكم؟ فقالوا يا أبا هريرة قد أتينا المسجد فدخلنا فيه فلم نر فيه شيئا يقسم فقال لهم أبو هريرة: وما رأيتم في المسجد أحداً؟ قالوا بلى رأينا قوما يُصَلُّونَ، وقوما يقرؤون القرآن، وقوما يتذاكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة: وَيْحَكُمْ فذاك ميراث محمد صلى الله عليه وسلم .[رواه الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال الهيثمي:رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن]











العلم حياة من الجهل وحسنات جارية للعالم بعد موته، روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ) [رواه مسلم]









فبالعلم يطاع الله وبه يعبد وبه توصل الأرحام وبه يعرف المسلم أحكام الشرع ،وهو سبب لنزول السكينة والرحمة، وطريق إلى الجنّة،جاء في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا حفتهم الملائكة، ونزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه ) [رواه مسلم]











وللعلم فضائل كثيرة؛ قال ابن عباس رضي الله عنه:|| تدارس العلم ساعة من الليل خير من إحيائها..||









قال ابن حبان :|| الواجب على العاقل إذا فرغ من إصلاح سريرته: أن يُثَنّي بطلب العلم والمداومة عليه، إذ لا وصول للمرء إلى صفاء شيء من أسباب الدنيا إلا بصفاء العلم فيه..||













ولأن العلم كنز ثمين فمن ملك هذا الكنز وجب عليه الإنفاق منه في سبيل الله، ونفقته هي العمل به.









فكما أن الأموال لا ينتفع بها إلا بإنفاقها فكذلك العلم لا ينفع إلا بالعمل به، فالعلم يراد للعمل والعمل للنجاة، والعلم والعمل قرينان لا يصح كل واحد منهما إلا بصاحبه.











قال ابن القيم رحمه الله:|| العلم:نَقْلُ صورة المعلوم من الخارج وإثباتها في النفس. والعمل نقل صورة علمية من النفس وإثباتها في الخارج.|| [الفوائد:ص ۱٦٠]








فالعلم مهما بلغ فضله ومهما عظم شأنه ليس إلا وسيلة للعمل ولا يكون له من الثمرة إلا بقدر ما يعمل به.لا بقدر ما يحفظ أو يستظهر منه.









وطالب العلم لا يكون له من الرفعة والقدر الكبير إلا إذا كان مطبقا لما تعلمه مستفيدا مما حصّله.











وليس يُعدُّ عالماً من لم يكن عاملا. ورُبَّ عالم ترك الناس علمه لفساد طريقته وجاهل أخذ الناس بجهله لنظرهم إلى عبادته.









قال مالك بن دينار :|| إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا|| .











فالعلم والعمل قرينان لا يصح كل واحد منهما إلا بصاحبه وقد قال الزهري رحمه الله || لا يرضين الناس قول عالم لا يعمل ولا عامل لا يعلم فالذي يرضيهم العلم والعمل|| .









قال بعض الحكماء :|| العلم خادم العمل، والعمل غاية العلم، فلولا العمل لم يطلب علم ولولا العلم لم يطلب عمل، ولأن أدع الحق جهلا به أحب إلي من أن أدعه زهدا فيه|| .










فالعلم إنما يطلب ليعمل به، وإذا لم يتحول العلم إلى واقع ملموس يراه الناس فهو وبال على صاحبه، والجاهل خير منه.









قال الفضيل بن عياض :|| لا يزال العالِمُ جاهلا بما عمل حتى يعمل به فإذا عمل به كان عالما|| .










وقد قيل : ليس الحياة بأنفس ترددها ... إن الحياة حياة العلم والعمل





فكل علم لا يفيد عملا ليس في الشرع ما يدل على استحسانه، إنما العلم النافع الذي قدم الله ورسوله أهله هو العلم الباعث على العمل.













وقد تواردت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وتواطأت على بيان أثار وجزاء من يعمل بعلمه وعلى ذم من يترك ما تعلمه.











فما يجنيه العامل بعلمه من الفوائد والأثر أكبر من أن يحصر أو يعد؛ فمن الفوائد:









* حصول الرفعة في الدنيا والآخرة. قال الله سبحانه وتعالى:﴿ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات





هذه الرفعة والمكانة لا تكون إلا للعاملين بما تعلموه..









* البعد عن الضلالة في الدنيا والشقاء في الآخرة ؟ قال الله تعالى: ﴿ فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى [طه:123]





وقال تعالى:﴿ من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون [النحل:97]









* النجاة يوم القيامة والإجابة السديدة على السؤال الذي سيوجه إليه قبل أن تزول قدماه من عند ربه ( ماذا عملت فيما علمت )؟ فمن عمل بعلمه وفقه الله للاستفادة من شبابه وعمره. وأن يجمع المال – إن كان ذا مال – من حله. وينفقه فيما يوافق شرع الله. هذا مقتضى العلم.







* السلامة من العواقب السيئة والأوصاف القبيحة التي تنتظر من لا يعمل بعلمه





قال تعالى: ﴿ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه ﴾ [الكهف: 57] .ومن هذه العواقب القبيحة جعل الأكنة على القلوب حتى لا تفقه الحق، وعدم الاهتداء أبداً كما قال تعالى مبيناً ما ينشأ عن الإعراض: ﴿إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً﴾ [الكهف:57]





قال تعالى :﴿فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة﴾ [المدثر:49]





الزيادة في الإيمان والعلم والبصيرة. قال سبحانه وتعالى :﴿والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم﴾ [محمد: 17] . و قال تعالى :﴿ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً وإذاً لآتيناهم من لدنا أجراً عظيماً ولهديناهم صراطاً مستقيما﴾ [النساء: 66، 67، 68









* نيل المكانة بين الناس فيكون قدوة طيبة، يؤخذ كلامه، ويوثق بفتواه. و كلما ظهرت آثار العمل على العالم أحبه الناس وتعلقوا به ورغبوا فيه.



















وفي مقابل هذا وردت أخبار وآثار تذم و تحذر من ترك العمل بالعلم، فقد ذم الله اليهود لعدم انتفاعهم بما معهم فقال سبحانه وتعالى فيهم :﴿مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات والله لا يهدي القوم الظالمين ﴾ [الجمعة :5]









وكان رسول الله يقول : ( اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع ، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن نفسِ لا تشبع، ومن دعوة لا يُستجاب لها ) أخرجه مسلم في صحيحه وغيره.











ومن الأخبار والآثار الدالة على ذم تارك العمل بعلمه:











قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ﴾











وقال تعالى : ﴿أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون﴾









. قال رسول الله : ( يـُجاء بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار ، فتندلق أقتابه ، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحا ، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون : ما شأنك ؟ ألست كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟ فيقول : كنتُ آمركم بالمعروف ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر وآتيه ) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.











قال ابن مسعود رضي الله عنه:|| من تعلم عِلْماً ولـم يعمل به لـم يزده العلم إلا كبراً || .











قال مالك بن دينار :|| إني وجدت في بعض الحكمة: لا خير لك أن تَعْلَمَ ما لم تَعْلَمَ ولم تعمل بما قد علمت، فإن مثل ذلك مثل رجل احتطب حطبا، فحزم حزمة ذهب يحملها فعجز عنها فضم إليها أخرى|| .











قال الحسن :|| ليس الإيمان بالتَّحلي ولا بالتمني ولكن ماوقر في القلوب وصَدَّقَتْهُ الأعمال، من قال حسنا، وعمل غير صالح، ردَّهُ الله على قوله، ومن قال حسنا وعمل صالحا، رفعه العمل، وذلك بأنّ الله يقول :﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَيّبُ والعَمَلُ الصالح يَرْفَعُهُ﴾|| .













ولابد في طلب العلم وكذا العمل بالعلم من أمر جد هام وهو: الإخلاص لله تعالى في الطلب والعمل. قال الله تعالى:﴿ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ﴾.









جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أول من تسعر بهم النار ثلاثة وذكر منهم:( ورجل تعلم العلم، وعلمه، وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ).











قال الجنيد :|| لو أن عبدا أتى بافتقار آدم وزهد عيسى وجهد أيوب وطاعة يحيى، وخلق الحبيب، وكان في قلبه ذره لغير الله، فليس لله فيه حاجة|| .











قال ابن رجب :|| الإخلاص واجب في جميع العبادات حتى زيارة الجار وصلة الرحم وبر الوالدين وحتى إن دق العمل|| .











قال سهل رحمه الله:|| العلم كلّه دنيا والآخرة منه العمل به والعمل كلّه هباء إلاّ الإخلاص|| .











قال عبد الله بن المعتز :|| علم المنافق في قوله وعلم المؤمن في عمله|| .















وكما ينبغي الإخلاص ينبغي أيضا الإتباع وعدم مخالفة السنة.











قال الذهبي : || العلم ليس بكثرة الرواية ولكنه نور يقذفه الله في القلوب وشرطه "الإتباع" والفرار من الهوى والابتداع|| .











قال ابن خزيمة :|| ويحرُم على العالم أن يخالف السنة بعد علمه بها|| .











قال صالح بن كيسان البصري :|| أدركت الشيوخ وهم يتعوذون بالله من الفاجر العالم بالسنة||









- قال الإمام الزهري: || كان من مضى من علمائنا يقولون الاعتصام بالسنة نجاة.||









- قال الإمام مالك: || السنة سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق.||









قال الشعبي :|| لسنا بعلماء ولا فقهاء ولكننا قوم قد سمعنا حديثا فنحن نحدثكم به، سمعنا إنما الفقيه من ورع عن محارم اللـه، والعالم من خاف اللـه عز وجل|| .









قال عطاء :|| كان فتىً يختلف إلى أم المؤمنين عائشة فيسألها وتحدِّثه فجاءها ذات يوم يسألها فقالت: يابني هل عملت بعد ما سمعت مني؟ فقال: لا والله يا أمَّه. فقالت: يابني فيما تستكثر من حجج الله علينا وعليك!|| .













اللهم علمنا ماينفعنا وارزقنا العمل به وزدنا علما





واجعله خالصا لوجهك الكريم





واجعله حجة لنا لا علينا





وأدخلنا به جنات النعيم





آمين







،،





،



والحمد لله رب العالمين





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق