الخميس، 31 يوليو 2014

معاشر المسلمين ....إنما النصر بالتوبة من الذنوب والمعاصي

التذكير والنصيحة

  • التذكير والنصيحة، والشفقة علينا وعليكم من عقوبة الله، وأنتم تعرفون ما من الله به علينا وعليكم من دين الإسلام، وهو أعظم نعمة أنعم الله بها على جميع المسلمين.

    وأكثر الناس اليوم، على الشرك، وعبادة غير الله; وأعطاكم الله في ضمن الإسلام، من النعم والنصر على الأعداء ما تعرفون، ولا يجيء أهل الإسلام شيء إلا بسبب



    ذنوبهم،
    فإذا عرفوا الذنب وتابوا منه، نصرهم الله، وأعزهم، وكسر عدوهم،وجعل العاقبة لهم في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}[سورة الرعد آية : 11] وقال تعالى لخيار الخلق: {أََوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[سورة آل عمران آية : 165].

    وهذه الأمور: يجريها الله سبحانه وتعالى، ابتلاء وامتحانا، ليميز الخبيث من الطيب، والمؤمن من المنافق، فيجازي المؤمن بالنصر والظفر على عدوه، ويجازي المنافق والمرتاب بالعذاب والنكال، والخزي في الدنيا والآخرة; وأنتم ترون أن أغلب البلدان ما صفت وركد 1 الإسلام فيها، إلا بعد الردة، وتمييز الخبيث من الطيب.

    فالواجب علينا وعليكم الإقبال على الله، والتوبة والاستغفار; وكل يعرف ذنبه، ويتوب إلى الله منه، ولا يجعل الأمر في غيره، قال الله تعالى:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة النور آية : 31] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}[سورة التحريم آية : 8].

    والتوبة لها شروط ; منها: الإقلاع عن الذنب،1 أي استقر وثبت الإسلام فيها.


    والندم، والعزيمة ألا يعود; ونحن نخشى علينا وعليكم مما وقع من التقصير والذنوب :

    منها: ترك المحافظة على الصلوات الخمس، وهي عمود الإسلام، من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.

    ومنها: الغفلة عن التفقه في دين الإسلام، حتى أن من الناس من ينشأ وهو ما يعرف دين الإسلام؛ ومنهم من يدخل فيه، وهو ما يعرفه ولا يفعله، ظنا منه أن الإسلام هو العهد. ومعرفة الإسلام والعمل به، واجب على كل أحد، ولا ينفع فيه التقليد.

    ومنها: أن من الناس من يمنع الزكاة، والذي ما يقدر المنع يحبسها؛ والزكاة ركن من أركان الإسلام، واجب أداؤها إلى الإمام أو نائبه، على الأمر المشروع.

    ومنها: عدم إنكار المنكر ممن يراه، ويسكت عن إنكاره، خوفا أو هيبة من أحد من الناس، والمنكر إذا خفي لم يضر إلا صاحبه، وإذا فشا ولم ينكر ضر العامة، قال تعالي{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [سورة المائدة آية : 78 - 79].

    ومنها: ظهور عقوق الوالدين، وقطيعة الرحم من كثير



    من الناس، وذلك من أكبر الكبائر، كما في الحديث: ألا أخبركم بأكبر الكبائر؟ الإشراك بالله، وعقوق الوالدين1، وفي الحديث الآخر: لا يدخل الجنة قاطع رحم 2
    ومنها: ما يجري من بعض الأمراء والعامة: من الغلول من المغانم، وفيهم من يتحيل على الغلول بالشراء، ولا ينقد الثمن، وذلك حرام; قال الله تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }[سورة آل عمران آية : 161] وفي الحديث:الغلول نار وعار وشنار 3 .
    ومنها: ظلم بعض الأمراء، يأخذ من أموال الناس بصورة الجهاد، ولا يصرفه في الجهاد، بل يأكله، وبعض الأمراء يأخذ جميع الزكاة، ولا يعطي المساكين منها شيئا، والإمام يأمره بإعطاء كل ذي حق حقة، ويعصي ويعمل على رأيه.

    والزكاة تولى الله قسمتها في كتابه، وجزأها ثمانية أجزاء، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب. ومن الأمراء والنظراء من يصرف الجهاد عن الأغنياء، ويجعله على الفقراء، الذين لم يجعل الله عليهم شيئاً والجهاد بالمال مقدم على الجهاد بالنفس، فمن كان له مال، وهو يقدر على الجهاد بنفسه، وجب عليه الجميع; فإن كان ما يقدر بنفسه، وجب عليه بالمال; فإن كان ما يقدر بالمال، ولا بالنفس، فالحرج مرفوع عنه.

    1 البخاري : الشهادات 2654 , ومسلم : الإيمان 87 , والترمذي : البر والصلة 1901 , وأحمد 5/36 ,5/38.

    2 البخاري : الأدب 5984 , ومسلم : البر والصلة والآداب 2556 , والترمذي : البر والصلة 1909 , وأبو داود : الزكاة 1696 , وأحمد 4/80 ,4/83 ,4/84.

    3 ابن ماجه : الجهاد 2850 , وأحمد 5/316.



    ص -9- قال الله تعالى:{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة التوبة آية : 91] والإمام ينهى الأمراء عن تحميل الناس ما لا يستطيعون، ويعصونه في ذلك، وتحميل الفقير ما لم يحمله الله ذنب; ومعصية الإمام إذا نهى عن ذلك ذنب آخر.

    ومنها: اختلاط الجيد بالردي، وصاحب الدين بالمنافق، ولا يميز هذا من هذا، ووقع بسببه ظهور الكلام الباطل، الذي لو يظهر من أحد في أول الإسلام، أدب أدبا بليغا، وعرف أن قائله منافق، وفي وقتنا هذا يظهر ولا ينكر، إلا ما شاء الله.

    ومنها: الظلم والوقوع فيما حرم الله، من الدماء والأموال والأعراض، والغيبة والنميمة، وقول الزور، وبهت المسلم بما ليس فيه، وصار هذا ما يستنكر، فإذا بان كذبه وتزويره، ما سقط من العيون، والله سبحانه وتعالى حرم هذا في كتابه.

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذاوقال تعالى {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ



    مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}
    [سورة الأحزاب آية : 58].

    وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}[سورة الحجرات آية : 12].

    ومنها: الجسرة على ذمة المسلم، فإذا أعطى أحد من المسلمين، لا أمير ولا غيره، أحدا من الكفار ذمته، ما جاز لأحد من المسلمين يخفره، لا في دمه ولا ماله، كما جاء في الحديث: ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا .

    ومن العجب: أن بعض الجهال يفعل هذا ديانة، ويظن أنه معاداة للكفار، واستحلال المحرم أعظم من ارتكابه، مع معرفة تحريمه.

    ومنها: أن بعض الناس يزعل 1 إذا أنكر على رجاله أو طارفته 2، إذا فعل المنكر وأنكر عليه، وهذا أمر ما يحل; بل الواجب عليه أن يغضب لله أعظم مما يغضب لنفسه; ولو أن رجاله أو طارفته، ينتهكون حرمته، غضب لنفسه، والله أحق أن يغضب له.

    ومنها: فعل الربا، والتحيل عليه بالبيع الفاسد، والتصحيح الباطل، مثل رد الدين على المعسر، وجعل الدين رأس مال السلم.

    1 يغضب.

    2 أحد أطرافه من أقاربه أو جماعته.



    ومنها: كونه يبيعه ويسلفه; ومنها: كونه يبيعه تمرا، أو عيشا إلى أجل، فإذا حل الأجل، أخذ منه بتلك الدراهم تمرا أو عيشا، وهذا حرام عند أكثر العلماء، لا سيما إذا قصد ذلك في ابتداء العقد، وعرف أنه لا يستوفي منه إلا بتمر أو عيش.

    ومنها: أنه يبيع سلعة نسيئة، ثم يشتريها منه بأقل مما باعها به نقدا; ومنها: أن يشتري طعاما، ثم يبيعه قبل قبضه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.

    ومنها: التثاقل عن الجهاد، ومعصية الإمام في ذلك وغيره؛ وقد توعد الله من تثاقل عن الجهاد، ورضي بالإخلاد إلى الأرض، بالوعيد الشديد.

    قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيل ٌإِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سورة التوبة آية : 38-39].

    وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سورة الأنفال آية : 24-25].



    قال العلماء في تفسير الآية: {لِمَا يُحْيِيكُمْ}[سورة الأنفال آية : 24] أي: لما يصلحكم، وهو: هذا الحرب الذي أعزكم الله به بعد الذلة، وقواكم به على عدوكم، بعد القهر منهم لكم، وقد فرضه الله على الناس، كما فرض الصلاة والزكاة.

    قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[سورة البقرة آية : 216] فإذا قام المسلمون بما أمرهم الله به، من جهاد عدوهم، بحسب استطاعتهم، فليتوكلوا على الله، ولا ينظروا إلى قوتهم وأسبابهم، ولا يركنوا إليها، فإن ذلك من الشرك الخفي، ومن أسباب إدالة العدو على المسلمين، ووهنهم عن لقاء العدو؛ لأن الله تبارك وتعالى: أمر بفعل السبب، وألا يتوكلوا إلا على الله وحده، كما قال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سورة المائدة آية : 23] وقال تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}[سورة آل عمران آية : 160].

    وقال تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ}[سورة الأنفال آية : 9-10].



    فإذا فعل المسلمون ما أمرهم الله به، وتوكلوا على الله، وحققوا توحيدهم، نصرهم الله، وأمدهم بالملائكة، كما هي عادته مع عباده المؤمنين، في كل زمان ومكان، قال الله تعالى:{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [سورة الصافات آية : 171-173].

    وقال تعالى {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيرا ًسُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [سورة الفتح آية : 22 – 23]. ونسأل الله لنا ولكم الهدى والثبات، والعافية في الدنيا والآخرة; وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.


الدرر السنية في الاجوبة النجدية




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق