الخميس، 27 فبراير 2014

كنوز فضل الله

[frame="13 10"]
أنزل الله تعالي أمة حبيبه وُمصطفاه صلى الله عليه وسلم ببركته وبسببه ، منزلة الرسل في كل مقاماتهم , فكأنه قال تعالي للرسل {إعملوا ولا حرج} لعصمتهم ، وقال لنا {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} الحج78



وأثبت للرسل الشهادة علي الناس يوم القيامة ، و أثبتها لنا {وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} الحج78



وواثق الرسل له صلى الله عليه وسلم ، وأثبت أنه بايعنا بنفسه ، وبين للرسل بطريق الوحي ، وأبقي فينا هذا المقام ، مقام البيان بطريق الالهام {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} النساء83



وأثبت الخيرية للرسل ، وأثبتها لنا {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} آل عمران110



وهي وظيفة الرسل , فكما أقامهم صلــوات الله عليهم مقامه صلى الله عليه وسلم ، وأقامنا نحن مقامه ، جمل الله الرسل من جماله ، وقد ظفرنا والحمد لله بنسبتنا إليه مباشرة ، فنحن أمته ، وهو رسول الله إلينا ، وبه شرفنا وفضلنا ، وإن قصرت أعمارنا وقلت أعمالنا ، وقد أظهر الله سر قوله تعالي للملائكة {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} فينا نحن أمته صلى الله عليه وسلم ، حيث وفقنا لطاعته ، وأشهدنا خفي مشاهد التوحيد ، فنحن نصلي ونستغفر كما أمرنا صلى الله عليه وسلم ، والملائكة أثبتوا لأنفسهم التسبيح والتقديس {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} البقرة30



ونحن نخشي من نسبة القربات إلينا فنستغفر الله منها ، إقرارا بأنه الفاعل المختار ، وأنه تفضل علينا فوفقنا لما يحبه ، فله المنَّة والشكر في أن أقامنا مقام محابه ومراضيه ، ونسب إلينا ما خلقة لنا ، فنخشي أن نغفل عن هذا المشهد ؛ فنستغفر الله تعالي رجوعا إليه ، وطلبا منه أن يستر علينا نقائصنا وجهلنا ، ولم يكن ذلك للملائكة ، وهذا المقام من المقامات التي لا يُنْزِل الله فيها إلا خاصة أحبابه ، من المقربين فوق أهل اليمين ، لم يكن ذلك بجهودنا ولا بكدنا ، ولكن ذلك فضل الله علينا بحبيبه وسيدنا صلى الله عليه وسلم



أما مهام الرسالة فهي تبدأ من وقت نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم ، وهذا المقام يظل محفوظا في أمته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها لقوله عز وجل {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحجر9



فقد انتسخت شرائع الرسل ، وشريعته باقية لم تنسخ ، ولن تنسخ إن شاء الله تعالي ، وهذا يدل علي بقائه محفوظا فينا , ونعوذ بالله من زمان نفقد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانا وتعليما وعملا وحالا ، لقوله سبحانه وتعالي {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ} الحجرات7



أما قوله تعالي {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} آل عمران144



فالإشارة بالموت أو القتل هنا ، إلي محمد صلى الله عليه وسلم ، أي الجسد الشريف , أما مقام الرسالة فباق ببقاء الرسالة ، وقد جمعت هذة المهام الآية الكريمة {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} البقرة151



وهي التي دعا له بها سيدنا إبراهيم عليه السلام في قوله {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} البقرة129



فاستجاب الله له ، وزاد الحَبيب صلى الله عليه وسلم صفة خامسة من عنده ، وهي{وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} البقرة151



وسننقل توضيح هذه المهام باختصار وهي كما يلي :



1. علم الآيات :



ويقصد به العلامات الدالة علي قدرة الله ، في الأكوان ، وفي الإنسان , وهي المشار إليها بقول الله {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} فصلت53



وفي ذلك يقول سيدنا عبد الله بن مسعود : تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في السماء طائر يطير بجناحيه إلا ذكر لنا عنه علما



2. علم تزكية النفوس :



وهو العلم الذي به تصفو النفس من شوائب الرياء , وعلائق الحقد , وأدران الحسد , وبواعث الحظ والهوي , حتى تنال مقام الإخلاص , ولا تحقق العبادة الغاية منها ؛ إلا بعد تزكية النفس وتصفيتها ، لقول الله {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى{14} وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى{15} الأعلى



وهذا هو الطور الهام الذي جاهد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الأصحاب ، حتى فطرت نفوسهم علي الصفاء والوفاء , وذلك لمدة إثني عشر سنة , حتى تأهلت النفوس لعبادة حضرة القدوس , فبدأ نزول العبادات بالصلاة في العام الثاني عشر من بعثته صلى الله عليه وسلم ، ثم توالت بعد ذلك بقية العبادات



3. علم الكتاب :



وهو علم الأحكام الشرعية في العبادات ، والمعاملات ، والأخلاق ، والأسر ، والمجتمعات ، والسلم ، والحرب ، وهو ما يسمي الآن بعلم {الفقه}



4. علم الحكمة :



وهو العلم الذي يلهمه الله للإنسان ، فيكون حكيما في تصرفاته بليغا في أحواله وهيئاته , مسددا في أقواله وتحركاته ، حتى يكاد الناس غير الحاسدين والحاقدين ، لا يرون فيه عيبا في أحواله وأفعاله , وهذا نتيجة التوفيق, ولانه عزيز لم يذكر في القرآن كله إلا مرة واحدة وعلي لسان نبي من انبياء الله في قوله تعالي {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} هود88



وقد أخبر الله أن صاحب الحكمة قد أعطاه الله البر والفضل الكبير ، في قوله {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} البقرة269



5. العلم اللدني أو الوهبى :



وهو ما ينتج عن الإخلاص في تنفيذ الأعمال , والصدق في المتابعة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم , حيث يفاض علي صاحب هذا القلب علوم وهبية , وأسرار روحانية , لم ولن تسجل في كتاب , وهي من باب قول الله {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ} البقرة282



أو من كنز فضل الله المرموز إليه بقوله سبحانه {وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً} الكهف65



أو فتح وفيض من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم {مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ وَرَّثَهُ اللهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ}[1]



وهذا العلم حقائق صادقة ، تجيش في صدور العارفين ، فينقلونها بأفواههم إلي خاصة المحبين ، كما يقول الإمام علي رضي الله عنه {يحفظونه في صدورهم , حتى يودعونه في قلوب أشباههم وأمثالهم}





{1} رواه أبو نعيم في الحلية عن أنس رضي الله عنه


[/frame]




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق