الجمعة، 28 فبراير 2014

حَقَائِقُ عَن الوَهَّابيَّة المَزعُومَة! يَجِبُ أَن يَعرِفَهَا كُلُّ جَزَائريٍّ


حَقَائِقُ عَن الوَهَّابيَّة المَزعُومَة! يَجِبُ أَن يَعرِفَهَا كُلُّ جَزَائريٍّ



للكاتب: بن يحيى محمد





لا أكتُبُ اليومَ للنَّائِب (فلاَّحِي) ولا لِشَريكِهِ، وإنَّما أكتبُ للأُمَّة الجزائريَّة نُصحًا لها أن تُصدِّقَ النَّاعِبِين بالكذِبِ والإرجَافَات، وتُؤمِنَ للنَّاعِقِين بالتُّهَم والافتِراءات، إنِّي أُنزِّهُ إخواننا الجزائريِّين عَن أن يَستغفِلَهُم كلُّ مُحتالٍ حَاذِق ولَعَّابٍ مَاذِق، فهُم أَجلُّ مِن أن يَستَخِفَّهُم مَن بَرَعُوا في الدَّسِّ وحَازُوا قَصَبَ السَّبْقِ فِي التَّلبِيس والتَّدلِيس! نعم، عُرِفَ الجزائريُّ ولا يَزالُ يُعرَفُ بشرَفِ النَّفسِ والنَّصَفَة والشَّهَادَة بالحقِّ والاعترَافِ بالفضلِ لأهلِهِ، لا يَبخَسُ النَّاسَ حقَّهُم ولاَ يُنقِصُهُم مِقدَارَهُم، وهُوَ مِن أَوَائِلِ مَن يَفِي بحقِّ أُخُوَّةٍ ويَرعَى عَهدَ صِلَةٍ، لا يَتَنَكَّرُ ولا يغمِطُ ولا يَدفعُ في وَجهِ حقيقةٍ تَنصَع وبُرهَانٍ يَسطَع... هذا عَهدُنَا بِكَ أيُّها الجزائريُّ، فلا يَصرفنَّكَ عَن ذلكَ مُجادلٌ عن الباطلِ خَصِيمٌ ولا مُنافِقٌ بلِسانٍ عَلِيم. هِيَ لكَ خالِصَة: «حَقَائِقُ عَن الوَهَّابيَّة المَزعُومَة! يَجِبُ أَن تَعرِفَهَا».



لا أكتبُ اليومَ للنَّائِب (فلاَّحِي)، فإنِّي أُسلِّمُ لهُ ببراعتِهِ في التَّهرُّبِ والتَّملُّصِ وتمكُّنِهِ فِي المُرَاوغَة والحَيْدَة وإجَادَتِهِ لِلكَرِّ وَالفَرِّ، فهُوَ لا يُجارَى في كلِّ ذلِك، كنتُ أكتبُ لهُ لو كانَ طَالبَ حقٍّ وبَاحِثًا عن الحقيقَةِ عَاملاً على نشرِ ما وقفَ عليهِ منهُمَا، دَائبًا على تقريرِ ذلكَ وتَثْبِيتِه بعدَ معرفتِهِ، لكنَّهُ دَاعيةُ تشويشٍ وطالبُ تَشغِيبٍ على السُّنِّيِّينَ السَّلفيِّينَ الّذينَ يُسمِّيهِم (الوهَّابيِّينَ)! وهُو كصاحِبهِ وشَرِيكهِ في هذه الحرب –وهيَ حربٌ بالوَكَالة- وهذه الحَملَة الَّتِي لَيسَ لها مِن غرضٍ إلاَّ التّشكيك في مذهبِ الحقِّ والتَّفتيت في عَضُدِ أنصارِهِ ومُؤيِّديهِ، والصّدّ والتَّنفِير عَنهُما –وهيهاتَ-. (الوهَّابيَّة) عندَ (فلاَّحي) وشريكهِ (سلايميَّة)، كما نطَقَ الأخيرُ ليست هيَ دين أهل السُّنَّة ولا دين الشِّيعَة ولا دين الإِباضيَّة، فما هيَ إذن؟... لا يُريدُ (النَّائِب) أن يُنسبَ إليهِ الجَواب، بل يُريدُ أن يَصلَ النَّاسُ إليهِ بعد أن نَشرَ أمامهم مُقَدِّماتِهِ ونثَرَ عليهِم دلائلَهُ في شكل تساؤلات؟ فيقولوا بعدَ بحثٍ وعَناءٍ كانَ للنَّائبِ دورٌ في تَيسيرِهِ وتذلِيلِهِ: (الوهَّابيَّةُ) صناعةٌ استخباراتيَّةٌ!! هكذا يَسْتَبْلِهُنَا ويَسْتَبْلِهُ الجزائريِّين هذا (النَّائِبُ) غيرُ (النَّاصِح)!



وهذه كلمتُنَا في بيانِ تِلكُم الحقائِق:



1ـ الوهَّابيَّةُ وَهْمٌ وتَخْيِيلٌ: قال الأستاذ الزِّركليّ - صاحب الموسوعة الشَّهيرة؛ «الأَعلام»-: «الوهَّابيّةُ وَهْمٌ، أو اسمٌ اخترعَتْهُ الدِّعاية المُفْتَرِية في عَهْدَي السُّلطانين سليم الثّالث ومحمود الثّاني، مِن سلاطين آل عثمان»اهـ[«شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز» (2/829)].



وقال: «الوهّابيّةُ، ليست وَصْمَةً، ولا هي سُبَّة، ولكنّ العامَّةَ نَفَرَت مِنها زمنًا مَا، بما غَرَسَتهُ الدِّعاية العُثمانيّة التُّركيّة في النُّفوس مِن تشويهٍ لها ولأهدافها ولسِيرتها وتاريخها»، وقال: «أمَّا الإِسلام ، فلا «وَهَّابِيَّةَ» فيهِ ممَّا كَانُوا يَزعُمُون»اهـ[المصدر السابق (2/832)].



2 ـ الشيّخ ابن عبد الوهَّاب لم يُؤسِّس مذهبًا: الشّيخ محمّد ابن عبد الوهَّاب لم يأتِ بجديدٍ ولم يُؤسِّس مذهبًا ولا استقلَّ بطريقةٍ، بل هُوَ داعيةٌ مُجَدِّدٌ، نَبَّهَ أُمَّتَهُ وأَيقَظَ قَومَهُ، لم يخرُج عن طريقةِ السُّنَّة واتِّبَاعِ السَّلَف، وبهذا عرفَهُ المنصِفُونَ، ومنهم إمام الجزائر الشيخ ابن باديس فقد قال عنهُ وعن الّذِين اهتَدَوا بدَعوتِهِ مِن أهلِ نَجْدٍ إنَّهم: «سُنِّيُّون سَلَفيُّونَ» [«آثار ابن باديس» (5/32)، ط. وزارة الشؤون الدِّينيّة، الجزائر].



قال الأستاذ الكبير الأديب الشّهير عليّ الطّنطَاوي في خطابه إلى الوزير المغربي (الحسن الحجويّ) سنة (1937م): «بقي يا سيدي عَدُّكُم (الوهابية) من الطرق الصوفية، مع أن الوهابيّة حركة سلفيّة يُرَادُ مِنهَا تَركُ كُلِّ مُبتدَعٍ في الدّين ومنه هذه الطّرق، والرجوع إلى الكتاب والسنّة. ثُمَّ إنَّهُ ليس في الدّنيا مذهب أو طريقة تُدعى (الوهابيّة)، ولا يَعرف هذه الكلمة أهلُ (نَجْدٍ) أنفسُهم، ولا كان ابن عبد الوهّاب صاحب مذهب وإنَّمَا هُو مُصلِحٌ مُنبِّهٌ، وأهل (نَجْدٍ) حنابلةٌ على مذهب الإمام أحمد ناصر السُّنَّة» [مجلَّة «الرِّسالة»، العدد (270)، (ص1435)].



3 ـ تُهْمَةُ الوهَّابيَّة وَسيلَةٌ لتَحقِيقِ أَغرَاضٍ؟: صارت (الوهَّابيَّة) كلمةَ تَنفيرٍ وتَعْيِيرٍ يُشهِرُها أهلُ الباطلِ في وَجهِ كلٍّ داعيةٍ إلى الحقِّ سُنِّيٍّ غيرِ بِدعيٍّ، والّذينَ يُردِّدُونَ هذه السُّبَّة صنفانِ:



ـ الصِّنف الأوَّل: أهلُ البِدعَةِ مِنَ المتصوِّفَة أهلِ الطُّرُق الّتي فرَّقَت الدِّين، ومِن الشِّيعَة الرَّوافِض الَّذينَ كفَّرُوا المُؤمِنِين، وكلٌّ مِن هذينِ الفريقين يَعبُدُونَ القبُور ويُؤَلِّهُونَ الأشخاص ويُقدِّسُونَ المشَاهِدَ والمزَارَات. وعداوةُ هؤلاءِ ظاهرةٌ لمن هدمَ أنصابَهُم وسفَّهَ أحلامَهُم وكَفَرَ ببِدَعِهِم، فهُو عندهُم من أهلِ الإِلحادِ والإفسَاد! عدوٌّ للدِّين مُحَارِبٌ للمُؤمنينَ!!



ـ والصّنف الثَّاني: أهلُ الكفر والحِقد على الإسلام مِن الصَّلِيبِيِّين وغيرِهِم، فهُم يغيظُهم أن يرجعَ النَّاسُ إلى (الإسلام الصَّحيح) فهُوَ الخَطَرُ كلُّ الخطَرِ على مصالحهم وعلى نفوذِهِم، وقد وجدُوا تهمةَ (الوهَّابيَّة) سبيلاً ممهّدةً إلى مقاصِدِهم فاستعملُوها وعملُوا على التَّخويف والتَّهديدِ بِها، فمُجرَّدُ النِّسبَة إليها إذن جريمةٌ عندَ الحكومة وعندَ العامَّة، وأقربُ مثالٍ عندنا -معاشرَ الجزائريِّين- ما حصل في عهد الحكومة الفرنسيَّة الاستعماريَّة (الصَّليبيَّة الحاقِدَة على الإسلام والمسلمين)، فقد منعُوا العلماء الأحرار وعلى رأسهم في العاصمة العلاَّمة الطّيب العقبي من التّدريس في المساجد الّتي لنَظَرِ الحكومة بتُهمة نشر الوهَّابيَّة! وصنّفَ رجلُهُم (مَاسِينْيُونْ) جمعيَّةَ ابنِ باديس في الوهَّابيَّة المُتشَدِّدَة! وتزلَّفَ أحدُ المتزلِّفين إلى تلك الحكومة بأنَّ العلماء السَّلفيِّين يَعملونَ على الرّجوع بالإسلامِ إلى أصلِهِ، وهذا خطرٌ على فرنسا!... إلخ. وقد عملَ هؤلاء الصّليبيُّون على التّفرقَةِ بين الوهَّابيِّين! وجمهور المسلمين بطرقٍ ماكرَة، ومن أقربِ ما وقفتُ عليهِ: ما بُثَّ في إحدى القنوات الإخباريَّة الغَربيَّة: مِن وصفهِمِ لطريقةِ الدَّفنِ الإسلاميَّة بلا بُنيانٍ ولا تعليَةٍ ولا تشيِيد قبب وسقف وزخارف، بِأنَّها على الطَّريقة الوهَّابيَّة! مع أنَّ عُلماء الإسلام بجميعِ مذاهبهم مُتّفقون على المَنعِ مِن البناء على القبور، وقد قال الإمام اللّيث بن سعد في القرن الثّاني: «ليسَ بُنيانُ القبور مِن عملِ المسلمين»! ما كانَ ليرُوجَ هذا على عامَّة المسلمين لولا الجهل الّذي خيَّمَ عليهِم في الأزمنة المتأخّرة الّتي تسلَّطَ عليهم فيها المتصوِّفَة والشّيعَة الرَّوافِض فحَملُوا النَّاسَ على تقديسِ المشاهِد والقبور، حتَّى جاءَ اللهُ بالدَّاعية المصلح ابن عبد الوهَّاب وأعوانه فطهَّرُوا جزيرة العرب مِن (الشِّرك وَمظاهِرِهِ) على حدِّ عُنوانِ رسالة الشّيخ مبارك الميليّ الّتي دعَّمَ بها الحركة الإصلاحيَّة السَّلفيَّة في الجزائر ونصحَ بها للأُمَّة الجزائريَّة.

وكما دبَّرَت (الحكومات الصّليبيَّة) قديمًا للقضاء على دولة ابن عبد الوهَّاب وأنصاره آل سعود الأوّلين بمعونةِ أنصار البدعة والطّرقيِّين، دبَّروا كذلكَ عندنا في الجزائر مع رؤوس الزَّوايا وشيوخ الطّرق –الّذين زالَ نُفُوذُهُم وتفرَّقَ النَّاسُ عنهم- لمنعِ العُلماء (المشاغِبين) -ابن باديس والعقبيّ وإخوانهما- واضطهادِهِم والتّضييق عليهم، فها هُو أحد الأشراف والمرابطين! يقوم في مجلسٍ رسميّ عندَ الحكومة الاستعماريّة يقترح التَّضييق أكثر على جمعيَّةِ العلماء؛ الجمعيَّة التي تنشُرُ المَذهب الوهَّابيّ وتُرِيد التّسلّط على المساجد لتوظيف أتباعها الوهَّابيِّين[ جريدة «الشَّريعة»، العدد (5)، (ص5)، و«آثار الإبراهيمي» (3/394)].



4 ـ شُرَفاءُ الجَزَائر يَشهَدُونَ بالحقِّ ويَعترفُونَ بالفضلِ لأهِلِهِ: ومِن أوائلِ هؤلاءِ الشُّرفَاء الشّيخ ابن باديس الّذي قالَ: «سَبَقَ الشّيخ بنُ عبد الوهّاب في هذا العصر الأخير غيرَهُ إلى الدَّعوةِ إلى الكتاب والسُّنَّة وهَدْيِ السَّلَفِ الصَّالح مِن الأُمّة، وإلى مُحاربة البدع والضَّلالات. فصار كُلُّ مَن دَعَا إلى هذا يُقَالُ فيهِ وَهَّابيّ..»[ مجلَّة «الشّهاب»، م10، (ص261)].



ـ ومِن هؤلاء الشُّرفاء الشّيخ الطّيب العقبيّ: قالَ لمَّا كثُرَ لغَطُ هؤلاءِ بهذهِ النِّسبَة «...ثُمّ ما هي هذه الوهّابيّة...الّتي تَصَوَّرَها المُتَخَيِّلون أو صَوَّرَها لهُم المجرمون بغير صُورتها الحقيقيّة؟...وإذا كانت الوهَّابيَّة [هي عبادةُ اللهِ وحدَهُ بما شَرَعَهُ لعباده] فإنَّها هِيَ مَذْهَبَنُا ودِينُنَا ومِلَّتُنَا السَّمْحَة الَّتِي نَدِينُ اللهَ بِهَا وعَلَيْهَا نَحْيَى وَعَلْيَها نَمُوتُ ونُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الآمِنِين...»اهـ[جريدة «السُّنَّة»، العدد(2)، (ص1-2)].



ـ ومن هؤلاء الشُّرفاء: بلَديُّكَ يا (سي عَدَّة)! لعلَّكَ تتعلَّمُ منهُ الإِنصافَ والصِّدق والتَّواضُع: الشّيخ المنوّر كلاَّل – دفين مدينة غليزان- (ت:1971م) الَّذِي عمل نَائِبًا لقنصل فرنسا في مكَّة، الّذِي قال في تصريحاتٍ له سنة (1927م) نُشرت في جريدة «النَّجاح» [العدد (531) (ص1)]:



«...سؤال: ما هي صفات الملك ابن السُّعود وأخلاقه، وما هي صفات الوهّابيِّين عمومًا وأخلاقهم؟ الجواب: لا يجوزُ لنَاقِصٍ أن يَصِف كاملاً، وإن كان ولا بُدَّ مِن ذِكْرِ شيءٍ يتعلَّق بذات الملك ابن السُّعود، فالرّجل طويل القامة قويّ البِنية صاحب حَزْمٍ وإِقدام، لا هُو بالمستبِدّ ولا هُو بالضّعيف الإرادة، يَلِينُ ويَشتدُّ حسبما تقتضيه الأحوال، وأمّا النّجديُّون الملَقَّبُون بالوهّابيِّين فلا يُمكنني أن أتكلَّم عنهم؛ لأنِّي ما اجتمعتُ بهم إلاَّ قليلاً.



سؤال: ما هي المبادئ والاِعتقادات الَّتي يُخالف الوهّابيُّون فيها غيرهم؟



الجواب: هذا السُّؤال عِلميٌّ، ولا يجوز لأمثالي العاجزين أن يَبحثوا فيه، ولكنِّي بوجه الإِخبار فقط أُفيدُكم أنَّ وصف أهل نَجْدٍ بالوهّابيّة يُعَدُّ شَتْمًا لهم؛ لأنَّهم مُسلمون بكُلِّ معنى الكلمة، يَعملون بالكتاب والسُّنَّة على حقيقتهما ويَقتدون بالسَّلَف الصّالح، وهُو عندهم الخُلفاء الرَّاشدون والأئمَّة الأربع رضي الله عنهم أجمعين، فمَن أراد الاِطّلاع على مبادِيهِم واعتقاداتهم فعليه بمُراجعة كُتب الشَّيخ ابن تيميَّة وكتب الشّيخ محمّد ابن عبد الوهّاب، ويجبُ عليَّ أن أذكر لكم هنا أنّ أهل (نَجْدٍ) لا يَعملون بالاِجتهاد، ولرُبَّما كان الخلاف القائم بينهم وبين غيرهم محصورًا كلّه في هذه المسألة...»اهـ.



ـ ومِن الشّرفاء: الشّريف ابن الشّريف: الشّيخ أبو يعلى الزَّواويّ –إمام جامع سيدي رمضان بالقصبَة نحوًا من (30) عامًا- الّذي قالَ عن كتاب «الأصول الثلاثة للشيخ ابن عبد الوهَّاب» الّذي طُبع في الجزائر سنة (1930 -1931م) في مطبعة رُودُوسي (المطبعة الثعالبيَّة): «...لا يَستطيعُ سُنِّيٌ أن يَرُدَّ فيه كلمةً ولا نصفَ كلمة، وإِنّ الوهّابيِّين بإجماعِ الأُمَّةِ مُسلمون، سُنِّيُّون، مِن أهل القِبلة»اهـ[جريدة «البصائر»، العدد (167)، (ص2)].



5 ـ لا غلُوّ في الدَّعوةِ السَّلفيَّة ولا في دَعوةِ ابن عبدِ الوهَّاب: لا زِلنا نسمع ونقرأُ -ممَّن يَدَّعِي سلوك قواعِد البحث العلميّ- إلصاق الغلُوّ بالسَّلفيِّين عُمومًا وبالوهَّابيَّة يعني دعوة الشّيخ ابن عبد الوهَّاب خصوصًا، وإليهم هذا الجواب المختصر المُوجَز الّذي يُقنِعُ –إن شاء الله- كُلَّ مُنصِفٍ: يقول الأستاذ الأديب الكبير الشيخ السّعيد الزَّاهري سنة (1929م) في ردِّهِ لاِنتقاداتٍ توجَّه بها إلى إحدى مقالاته المنشورة في مجلّة «الفتح» القاهريَّة كاتبٌ مغربيٌّ، وممّا جاء فيه قولُهُ: «...أنا لا أُوافقُهُ على أنَّ إخواننا المؤمنين السَّلفيِّين في «نَجْدٍ» والحجاز قد غَلَوْا في الإصلاح الإسلاميّ، ولا أصِفُهُم بالغُلوّ؛ لأَنَّ الغُلوّ في الشّيء هُو الخروجُ عنه أو عن حُدوده المشروعة، وإخوتُنا في نَجْدٍ والحجاز إنّما يَدعون إلى ما دعا اللهُ إليه لا يَغْلُون في ذلك ولا يخرجُون في إصلاحهم عن الحُدود المشروعة» اهـ[«الفتح»، العدد (168)، (ص6-7)].



6 ـ براءةُ السَّلفيِّين مِن التَّكفِير غير المُنضَبِط: الحُكمُ بالكُفرِ والرِّدَّة مِن أَحكامِ اللهِ وهُوَ مُسطَّرٌ في كُتُب علماء الإسلام وفقهاء المذاهب، مُقَرَّرٌ ومُحَرَّرٌ، ولا يزالُ يُدرَسُ ويُدَرَّسُ ولم يَزل قُضاةُ الشّرعِ والحُكَّامُ تقضِي وتَحكُمُ بِهِ على مَرِّ قرونٍ! أمَّا اتِّهامُ السُّنِّيِّينَ السَّلفِيِّين بأنَّهم تَكفيريُّون والتَّهويل بترديدِ (السَّلفيَّة التَّكفيريَّة)، والتَّمثيل بالشّيخ ابن عبد الوهَّاب (دونَ تردُّدٍ)، فَهُوَ مِن الظُّلمِ والحَيْفِ ومِن غِيَاب (الوازِع الأخلاقيّ) الّذي يترَدَّدُ ذِكرُهُ في الآونة الأخيرة!



ـ أمَّا رَمْيُهُم المُخالِفَ لَهُم بالكفر، فجوابُهُ عندَ الشّيخ السّعيد الزَّاهري بأخصَرِ عبارةٍ، قالَ (رحمه الله): «والوهّابيّون أو حنابلة نَجْدٍ لا يقولون بكُفر مَن يتوسّل التّوسّل الشّرعيّ، بل يقولون بكُفرِ مَن يَدعُو معَ اللهِ إلهًا آخر، ومِن معاني «التّوسّل» عند الجامدين (مِن أهل السُّنّة) أنّهم يَدعون مِن دون اللهِ ما لا ينفعهم ولا يضرّهم! ... وهذه العقيدة ليست عقيدة حنابلة نَجْدٍ وحدهم بل هي عقيدة السَّلف الصّالح وعقيدة أهل السُّنّة جميعًا (ما عدا الجامدين منهم والمتساهلين)»[جريدة «الصِّراط»، العدد (5)، (ص4-6)].



ـ أمَّا الاِقتتال الّذي كانَ في زمنِ الشّيخ ابن عبد الوهَّاب فقد كانَ من طرفِ سُلطَةٍ شرعيَّةٍ أرادت أن تبسُطَ دِينَ اللهِ في أَرضٍ يَزعُمُ أهلُها أنَّهُم مسلِمُونَ، عَرفُوا ما هُوَ الإسلام لكنَّهُم عَانَدُوهُ وأَصَرُّوا على المُشَاقَّةِ! (وعلى صاحبِ النَّهجِ العِلميِّ في البحث! أن ينظرَ في تَدَاعِيَاتِ ذاكَ القِتال وأَحوالِ المُقاتِلِين وأَحوالِ المُقَاتَلِين، ليخلُصَ إلى حُكمٍ يُوافقُ الحقَّ والحقيقَة).



نعم، تُستَعظمُ الدِّماءُ! والعُلماءُ والمُفتُون والحُكَّامُ بالشَّرعِ أشدّ تعظيمًا لهَا، وليسَ هذا ببِدْعٍ في ابن عبد الوهَّاب وفي السُّلطَة والإمارة الّتي تأتمرُ بأمرِ الشّرعِ الّذي تَقضي بِهِ العلماءُ، فهذا الشّيخ عبد الكريم المغيليّ التّلمسانيّ الجزائريّ في القرن السادس عشر ميلادي، في أجوبته على أسئلة الأَسْكِيَا من بلاد التَّكرور (مالي ونواحيها) سألهُ السُّلطَان عن أقوامٍ في بلاده ينطقون الشهادتين ونحوها من ألفاظ المسلمين ويصومون رمضان ويتصدقون عند المساجد، لكنَّهم يأتونَ أعمالَ المشركينَ ومنها عبادة الأصنام من الأشجار والأحجار ويتصدقون وينذرون لها... إلخ، فقرَّرَ المغيليّ -وهُوَ على العقيدة الأشعريَّة- أحكامَ التَّكفير، ثُمَّ قالَ: «فإن كان الأمرُ كما ذكرتُم فهو كَافِرٌ، وكذلك مَن عَمِلَ بمثلِ عملِهِ، بل يجبُ التَّكفيرُ بما هو أَقَلُّ مِن ذلك...»[«أجوبةِ المغيليّ على أسئلة الأَسْقِيا» (ص:39-40)]. وقالَ: «...وأمَّا القومُ الَّذِين وصفتَ أحوالهم، فهُم مُشرِكُون بلا شكٍّ، لأنَّ التَّكفيرَ في ظاهرِ الحُكمِ يكون بأقلّ مِن ذلك، كما بَيَّنَّاه في السُّؤال الّذي قبلَ هذا، فلا شكَّ أنَّ الجهادَ فيهِم أَوْلَى وأَفْضَل مِن الكفَّار الَّذين لا يقولون لا إله إلاّ الله محمّدٌ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، لأنَّ هؤلاء الَّذِين وصفتَ لَبسوا الحقّ بالباطل، بحيثُ يَضِلُّ بهم كثيرٌ مِن جهلةِ المسلمين حتَّى يَكْفُرَ وهُو لا يَشعر، فهُم أَوْلَى بالجهادِ مِنَ الكُفَّارِ الّذين لا يَقْتَدِي بهم مسلمٌ...»اهـ.



فهل بعدَ هذا يبقَى حَديثٌ عن استحلال الوهَّابيَّة لدِمَاء المسلمين؟ أم أنَّهُ سلطانُ الشَّرع المُقَرَّر في كُتُب جميعِ الفُقهاء.



ـ وأمَّا الأعمال الإرهابيَّة والتَّكفير للمُجتمعات والتّفجير والتَّدمير والتّقتيل للأبرياء، فهو وَلِيدُ الأحزاب والجماعات السِّياسيَّة، المتصارِعَة مع الأنظمة والحُكَّام! لمن كان بتاريخ الجماعات والحركات خبيرًا، والدَّعوةُ السَّلفيَّة التي تتبرَّأُ مِن التّحَزُّبَات والتّنظيمات والجماعات، ومنها الدَّعوة السَّلَفيَّة النَّجديَّة على الخصوص والّتي تُنْبَزُ بالوهَّابيَّة وقعت (ضحيَّةً) لهذا الفِكر الوافِد، فأُلْبِسَهُ فئامٌ مِن أبنائها، وتسرَّب إليهم على حينِ غَفلةٍ أو تسامُحٍ! فمَن كان مُنصِفًا فليُشِر إلى الجَانِي لا المجنيّ عليه، على أنّ مواقف أكابر العلماء السَّلفيِّين –في هذا العصر- مِن هذه الأفكار المنحرفة معلُومَةٌ. انظر كتاب : «فتاوى العُلماء الأكابر فيما أُهْدِرَ مِنْ دِمَاءٍ في الجزائر» وكتاب: «تَخلِيصُ العِبَاد مِن وَحْشِيَّة أبي القَتَاد الدَّاعِي إلى قَتلِ النِّسوان وفلْذَاتِ الأَكبَاد»، ففيهِما حقائقُ مُهِمَّةٌ.



مع حذف يسير

المصدر




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق