الجمعة، 31 يناير 2014

*** العدل فضله وأهميته ***


خطبة جمعة مسجد الإصلاح الشريعة ولاية تبسة





الموضوع: العدل فضله وأهميته





إمام المسجد: جعفر نورالدين





29 ربيع الأول1434هـ 31/01/2014م



الحمد لله الحكم العدل؛ يقضي بالحق ويأمر بالقسط، وينهى عن الظلم، ويهدي العباد للتي هي أقوم، نحمده على نعمه وآلائه، ونشكره على فضله وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ خلق السموات والأرض بالحق، وأقامها على العدل : وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَمَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، ومصطفاه من عباده، أصدق الناس في الأقوال، وأسدهم في الأفعال،وأعدلهم في الأحكام، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحبٍ وآل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل .

عباد الله: العدالة مطلب لكل حي؛ ومسعى كل سَوِيّ؛ تنشدها الطباع السليمة والفطر المستقيمةوالعقول الحكيمة،بل العدل تتمدح به الملوك والقادةُ, والعظماء والسّادَة، و على حسنه تواطأت الشرائع الإلهية وجاءت الرِّسالات السّماوية : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ).

وقد جاءَ محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم لإخراج الناس من جَور الأديان إلى عدلِ الإسلام ( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً )، فدين الإسلام صِدق في أخباره، عَدل في أحكامه، لا يقِرّ الجورَوالبهتان, ولاالظلم والعدوان، بل هو دائمًا مع الحقِّ أينما كان، يأمر بالوفاء بالعقودِ والعهود حتى مع الكفّار : وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) أي: لا يحمِلَنّكم بُغضُ قوم على تركِ العدل؛ قال ابن كثيررحمه الله: العدلَ واجب على كلّ أحد مع كل أحد وفي كلّ حال. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ). فلا أعدل ولا أتم ولا أصدق ولا أوفى من عدل شريعة الله، فهي مبنية على المصالح الخالصة والراجحة، بعيدة عن أهواء الأمم وعوائد الضلال، لا تعبأ بالأنانية والهوى، ولا بالتقاليد الفاسدة. إنها لمصالح كل البشر لا لقبيلة أو بلد أو جنس ( فَلِذَلِكَ فَدْعُ وَسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ ءامَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَـابٍ وَأُمِرْتُ لأَِعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَـالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) عدل الإسلام يسع الأصدقاء والأعداء،الأقرباء والغرباء،الأقوياء والضعفاء، المرؤوسين والرؤساء. عدل الإسلام ينظم كل ميادين الحياة ومرافقها ودروبها وشؤونها. في الدولة والقضاء، والراعي والرعية، والأولاد والأهلين.عدلٌ في حق الله.وعدل في حقوق العباد في الأبدان والأموال، والأقوال والأعمال. عدلٌ في العطاء والمنع،والأكل والشرب.يُحق الحق ويمنع البغي في العباد والبلاد.

وقدأمَر الله رسولَه بالعدل فقال : وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ) وأمَر به جميعَ خلقه : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ )، وجعل في مقدّمةِ السّبعة الذين يظلّهم الله في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظله ( إمامٌ عادل ) وفي حديث النبي عليه الصلاة والسلام ( إنّ المقسطين عند الله على منابرَ مِن نور عن يمين الرحمن، وكِلتا يديه يمين، الذين يعدِلون في حكمِهم وأهلِهم وما وَلوا ). العدل مفتاح الحق، وجامع الكلمة، ومؤلف القلوب, إذا قام في البلاد عمَّر، وإذا ارتفع عن الديار دمَّر. إن الدول لتدوم مع الكفر مادامت عادلة، ولا يقوم مع الظلم حقٌ ولا يدوم به حكم, وإن من أولى ما يجب العدل فيه من الحق حق الله سبحانه في توحيده وعبادته، وإخلاص الدين له كما أمر وشرع خضوعًا وتذللاً، ورضًا بحكمه وقدره، وإيمانًا بأسمائه وصفاته. وأظلم الظلم الشرك بالله عز وجل، وأعظم الذنب أن تجعل لله ندًا وهو خلقك .

أيها الإخوة، وكما يكون العدل في الأبعدين فهو في الأهلين والأقربين حق وحتم. فيلزم العدل في أسرتك ومع أهل بيتك كلهم دون استثناء: بين الأب والأموالأبناء، بل إن الأبناء من أحق الناس بعدل الآباء,فيساوى بينهم في العطية والمعاملة والنظرة والابتسامة, وقد جاء في الحديث الصحيحعن أنس -رضي الله عنه- قال: جلس رجل مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فجاءه ابن له فأخذه فقبله ثم أجلسه في حجره، و جاءت ابنة له، فأخذها إلى جنبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم -: " ألا عدَلْتَ بينهما؟ " يعني ابنه وابنته في تقبيلهما . ثم ليتق الله أولئك الذين يحرمون بعض المستحقين في عطية أووصية فذلك جور وجنف، تقوم به الخصومات، وتثور به الأحقاد، وتقع به المظالم، وتقطع به الأرحام, بل يلزم العدليا عباد اللهحتى مع البهائم، فكيف البشر؟ . وقد :" عُذِّبَت امرأةٌ في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض " .والعدل ـ أيها الأخوة ـ كما يكون في الأعمال والأموال فهو مطلوب في الأقوال والألفاظ : ( وَإِذَا قُلْتُمْ فَعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى . بل لعل العدل في الأقوال أدق وأشق. وصاحب اللسان العدل يعلم أن الله يحب الكلام بعلم وعدل، ويكره الكلام بجهلٍ وظلم :( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ الْفَوحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْىَ بِغَيْرِ الْحَقّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَـاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) فإذا قلتَ قولا، أو كتبت مقالا،أو تكلمت في مجلس، في حق مؤسسة أوقضية أو موضوع أو جهة أو دعوة أو حزب أوشخص ما، فتذكر هذه الآية ( إِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ).

أيها المسلمون: العدلَ يحتاج إلى صدقٍ مع النَّفس ومراقبةٍ لله عزّ وجلّ ومجانبةٍ للهوى يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فلابد أن تتجرد النفوس لله،وتتخلى عن رغباتها المشروعة، ويكون هدفها الأسمى هو ابتغاء مرضاة الله،ولذا قال سبحانه كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ للهولله فقط.... . بارَكَ الله لي ولَكم في القرآنِ العظيم ونفعَنا بما فيهِ منَ الآيات والذكر الحكيم أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائِر المسلمين من كلّ ذنب وخطيئة فاستغفِروه وتوبوا إليه،إنّه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية : الحمدُ لله ربِّ العالمين، ولا عدوانَ إلاّ على الظالمين، وأشهَد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله . أما بعد:فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأقيموا العدل في أنفسكم ومع غيركم؛ فإن العدل ميزان الله تعالى وَضَعَهُ لِلخَلق، ونصبه للحق، فويل لمن خالفه في ميزانه، وعارضه في سلطانه، ( قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) وإذا ساد العدل حُفظت الحقوق ونصر المظلوم, وولت الهموم وأدبرت الغموم . أيها الإخوة، وبسبب غياب العدل، ينتشر الفقر والبطالة ويتسلط الأقوياء على الضعفاء، والأغنياء على الفقراء, وتتفشى الأثرة وحب الذات، وتتولد الأخلاق الرديئة من الغش والاحتكار والرشوة والكذب في المعاملات، والاستيلاء على الأموال بشتى الحيل، في فساد ضجت منه الأرض، وضاق به البشر : ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون.

عباد الله: وإذا غاب العدل حلَّ الظلم بالعباد,وبالأمةِ الفسادِ؛لأن الظلمَ والفسادَ قرينانِ، بهما تخربُ الديار، وتزولُ الأمصارِ، وتقلُ البركات، ويحلُ الغشُ محلَّها، وهو ظلماتٌ في غياهب تُزِلُ الأقدامَ وتُضلُ الأفهامَ. إنه ليسَ شيءٌ أسرع في خرابِ الأرضِ ولا أفسد لضمائرِ الخلقِ من الظلمِ والعدوانِ، ولا يكونُ العمرانُ حيث يظهرُ الطغيانُ، وإن الظالمَ الجائرَ سيظلُّ محاطًا بكلِّ مشاعرِ الكراهيةِ والعَداءِ والحقدِ والبغضاءِ، لا يعيشُ في أمانٍ، ولا ينعَمُ بسلامٍ، حياتُه في قلقٍ، وعيشُه في أخطارٍ وأرَق؛ لأنَّ الظلمَ جالبُ الإِحنِ ومسبِّبُ المحنِ، والجَورُ مسلبةٌ للنعمِ مجلبةُ للنقمِ، وقد قيل: الأمنُ أهنأُ عيشٍ، والعدلُ أقوى جيشٍ .

ومع ذلك فالظلمُ لا يدومُ ولا يطولُ، وسيَضمحلُّ ويزولُ، والدهرُ ذو صَرفٍ يدورُ، وسيعلمُ الظالمونَ عاقبةَ الغرورِ. أين الذين التحفوا بالأمنِ والدَّعَةِ، واستمتعوا بالثروةِ والسَّعةِ من الأممِ الظالمةِ الغابرةِ, الظاهرةِ القاهرةِ؟! لقد نزلت بهم الفواجعُ، وحلّتْ بهم الصواعقُ والقوارعُ، فهل تعي لهم حِسًّا أو تسمَعُ لهم ركزًا؟! فسبحانَ من سمِعَ أنينَ المضطهدِ المهمومِ، و نداءَ المكروبِ المغمومِ، فرفعَ للمظلومِ مكانًا، ودمَغَ الظالمَ فعادَ مهانًا،(فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)لا تظلمنّ إذا ما كنتَ مقتدرًا**فالظلمُ آخرُه يأتيك بالندمِ

نامتْ عيونُك والمظلومُ منتبهٌ *** يدعو عليكَ وعينُ اللهِ لم تنمِ

فيا رب: يا من صفتك العدل، ويا من أمرت بالعدل، ويا من تحب العدل، اجعلنا ممن يعدلون في حق أنفسهم، وفي حق أهليهم، وفي حق رعيتهم، وفي حق كل من يتعاملون معهم؛ إنك أنت العليم الحكيم, اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها لوجهك خالصة، ولا تجعل لأحد فيها شيئا . اللَّهُمَّ أَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، وَأَجِرْنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الآخِرَةِ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَارِنَا أَوَاخِرَهَا، وَخَيْرَ أَعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا، وَخَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاكَ . اللَّهُمَّ وَفِّقْ ولاة أمرنا لما تحب وترضى، وَارْزُقْهُمَ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ الَّتِي تَحُثُّهُمْ عَلَى الْخَيْرِ، وَتُحَذِّرُهُمْ مِنَ السُّوءِ وَالشَّرِّ، اللهم َاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ, اللهم احقن دماء إخواننا المسلمين في كل مكان اللهم ألف بين قلوبهم واهدهم إلى الحق يا رب العالمين, اللهم أدم الأمن والاستقرار في بلادنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم إنا نعوذ بك من الخوف بعد الأمن، ونعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، ومن جميع سخطك . اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الأَكْرَمِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .



http://ift.tt/1kmrt8m





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق